مواقف في حياة عمر:

  •   عن أبي بْكَرَة قالَ: وقف أَعْرابيٌّ علىٰ أمير المؤمنينِ عمرَ  بنِ الخطابِ  رضي الله عنه فقالَ:

يا عُمَرَ الخَيرِ جُزِيْتَ الجَنَّةَ

اُكْسَ بناتي وأُمَّهُنَّ

أُقْسِمُ بــــاللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ

  فقالَ عمرُ: وإِنْ لم أفَعْلَ يكونُ ماذا؟ فقالَ: إذاً أبا حَفْصٍ لأَمْضِيَنَّ قالَ: فإن مَضَيْتَ يكونُ ماِذا؟ قالَ:

واللَّهِ عَنْهُن لَتُسَألَــــنَّ

يومَ تكون الأُعْطِيــــاتُ منَّةَ

والواقفُ المســــؤولُ بينهنَّ

إِما إلىٰ نارٍ وإِما جَنَّةَ

  فبكىٰ عمرُ حتىٰ اخْضَلَّتْ لحيتهُ وقالَ لغلامه: يا غلام أَعطِه قَميصي هذا لذلك اليوم لا لشعره ثم قالَ: والله لا أمْلِكُ غيرَه([1]).

  •   عن زيدِ  بنِ أسلمَ عن أبيه قالَ: خَرَجْتُ مع عمرَ  بنِ الخطابِ  رضي الله عنه إلىٰ حَرَّة واقمٍ حتىٰ إذا كنا بِصِرارٍ إذا نارٌ تؤرَث فقالَ: يا أسلم إني أرىٰ هؤلاء ركباً قَصُرَ بهم الليلُ والبردُ، انطلِقْ بنا، فَخَرَجْنا نُهَرول حتىٰ دَنَونا منهم فإذا امرأةٌ معها صبيانٌ لها، وقِدْرٌ منصوبةٌ علىٰ النار، وصبيانها يَتضَاغون فقالَ عمرُ: السلام عليكم يا أصحابَ الضَّوءِ وَكرِهَ أن يقول يا أصحاب النَّارِ قالَت: وعليك السلام قالَ: أَأَدْنُ؟ قالَت: ادنُ بخيرٍ أَوْ دَعْ. فدنا فقالَ: ما بالُكم؟ قالت: الجوع والليل والبرد. قال: فماذا في القدر؟ قالَت: ماءٌ أُسكتهم به حتىٰ يناموا،  اللهُ بيننا وبين عمَر قالَ: أَيْ، رَحِمَكِ  اللهُ ما يدري عمرَ بكم؟ قالَت: يتولىٰ أَمرْنَا ويغفلُ عنا!

  قالَ أسلم: فأقبل علي، فقالَ: انطلق بنا، فخرجنا نُهَرولُ حتىٰ أتينا دارَ الدَّقيقِ، فأخرج عِدْلاً فيه كبة شحم فقالَ: احمله عليّ فقلت: أنا أحمله عنك قالَ: احمله عليَّ مرتين أو ثلاثاً، كل ذلك أقول أنا أحمله عنك فقالَ لي في آخر ذلك: أنت تَحْمِلُ عَنِّي وِزْري يومَ القِيامة لا أُمَّ لك؟ فَحَمَلْتهُ عليه، فانطلق وانطلقتُ معه نهرولُ حتىٰ اْنتهَينا إليِها، فَأَلَقْىَٰ ذلكَ عِندَها وأَخْرَجَ من الدَّقِيقِ شيئاً فَجَعَلَ يقولُ لها: ذري عليَّ وأَنا أُحَرِّكُ لك، وَجَعَلَ يَنْفُخُ تحتَ القِدْرِ، وكان ذا لحيةٍ عظيمةٍ، فَجَعَلتُ أَنظرُ إلىٰ الدُّخَانِ من خَلَلِ لحيتهِ، حتىٰ أَنَضَجَ ثم أَنْزلَها، وقالَ: ابْغِنِي شيئاً، فأتيتُه بِصَحْفَةٍ فأفْرغها فيها، ثم جعل يقول أَطعميهم وأنا أسطح([2]) لك فلم يَزَلْ حتىٰ شَبِعوا، ثم خَلَّىٰ عندها فَضْلَ ذلك وقام وقُمْتُ معه فَجَعَلَتْ تقول: جزاك  اللهُ أنت أولىٰ بهذا الأمر من أميرِ المؤمنين فيقول: قولي خيراً إنك إذا جئت أمير المؤمنين وَجَدْتِني هناكَ إنْ شاءَ  الله، ثم تَنَحَّىٰ ناحِيةً عنها ثم استقبلها وَرَبَضَ مَرْبَضَ السَبعُ، فجعلتُ أقول له: إن لك شأناً غير هذا وهو لا يُكَلِّمني، حتىٰ رأيتُ الصِّبيةَ يِصْطَرعون وَيْضحَكون ثم ناموا وَهَدؤوا، فقام وهو يحمدُ  الله، ثم أقبل عليَّ فقالَ: يا أسلم إن الجوعَ أَسْهَرهم وأَبْكاهُم فَأَحبَبتُ ألا أَنْصَرِفَ حتىٰ أَرىٰ ما رأيتُ منهم([3]).

  • قالَ أسلم: خرجت ليلةً مع عمَر إلىٰ ظَاهِر المدينةِ فَلاحَ لنا بيتُ شَعْرٍ فقصدناه، فإذا فيه امرأة تَمْخَضْ وتبكي فسألها عمرُ عن حالِها فقالَت: أنا امرأةٌ عربيةٌ وليس عندي شيءٌ فبكىٰ عمرُ وعادَ يُهرول إلىٰ بيته فقالَ لامرأته أمِّ كُلثوم بنتِ عليِ  بنِ أبي طالبٍ: هل لَكِ في أجرٍ ساقَهُ  اللهُ إليك؟ وأخبرها الخَبَرَ، فقالَت: نعم، فَحَمَلَ علىٰ ظهرهِ دقيقاً وشحماً، وحَمَلتْ أمُّ كُلثُوم ما يَصْلُحُ للولادةِ وجاءا، فدخلت أم كلثوم علىٰ المرأةِ، وجَلَسَ عمرُ مع زوجها يتحدث ــــ وهو لا يعرفه ــــ فَوَضَعَتْ المرأةُ غُلاماً فقالَت أُمُّ كلثوم: يا أميرَ المؤمنين بَشِّرْ صاحِبَكَ بغلامٍ فلما سمع الرجل قولَها اسْتَعْظَمَ ذلك وأَخَذَ يعتذرُ إلىٰ عمرَ فقالَ عُمر: لا بأس عليك، ثُم أَوْصَلَهم بنفقةٍ وما يُصْلِحُهم وانصرف([4]).

 

([1])    «طبقات الشافعية الكبرىٰ» (١/٢٦٤).

([2])   أسطح: أي أبسطه حتى يبرد. «النهاية لابن الأثير» (٢/٩٢١).

([3])   «تاريخ الأمم والملوك» (٢/٥٦٧)، «البداية والنهاية» (٧/١٥٣).

([4])   «البداية والنهاية» (٧/١٥٣).