فَتْحُ بَيْتِ المقدسِ (١٦هـ):

  خرج أبو عُبَيْدَةَ بجيشِ الإسلامِ، فحاصرَ بَيْتَ المقدسِ، وضيَّقَ عليهم حتّىٰ أجابوا إلىٰ الصُّلحِ بشرطِ أنْ يقدمَ إليهم أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ  رضي الله عنه([1]).

  ولما وصلَ عُمَرُ الشَّامَ تلقَّاهُ أبو عُبَيْدَةَ وَرُؤُوسُ الأمراءِ؛ كخَالِدِ بنِ الوليدِ، ويَزِيدَ بنِ أبي سُفْيَانَ، فترَجَّلَ أبو عُبَيْدَةَ وترجّلَ عُمَرُ، فأشارَ أبو عُبَيْدَةَ ليُقَبِّلَ يَدَ عُمَرَ، فهمّ عُمَرُ بتَقبيلِ رِجْلِ أبي عُبَيْدَةَ، فكفَّ أبو عُبَيْدَةَ فكفَّ عُمَرُ، ثُمَّ سارَ حتّىٰ صالحَ نصارَىٰ بَيْتِ المقْدِسِ، واشترطَ عليهم إجلاءَ الرومِ إلىٰ ثلاثٍ، ثُمَّ دخلَها، فدخلَ المسجدَ مِنَ البابِ الذي دخلَ منه رَسُولُ  الله ليلةَ الإسراءِ. ويقالُ: إنه لَبَّىٰ حين دخلَ بَيْتَ المقدسِ فصلَّىٰ فيه تحيةَ المسجدِ بمحرابِ داودَ  ، وصلَّىٰ بالمُسْلِمينَ فيه صلاةَ الغَدَاةِ مِنَ الغَدِ، فقرأَ في الأولىٰ بسورةِ (ص) وسجدَ فيها والمُسْلِمون معه، وفي الثانية بسورةِ (بني إسرائيلَ)، ثُمَّ جَاءَ إلىٰ الصَّخْرةِ، فاستدلَّ علىٰ مكانِها مِن كَعبِ الأحبارِ، وأشار عليه كعبٌ أنْ يجعلَ المسجدَ مِن ورائهِ، فقالَ: ضَاهَيْتَ اليهوديةَ. ثُمَّ جعلَ المسجدَ في قبلي بَيْتِ المقدسِ  ــــ  وهو العُمَريُّ اليومَ ــــ ثُمَّ نقلَ التُّرابَ عَنِ الصَّخرةِ في طَرَفِ ردائهِ وقبائهِ، ونقلَ المُسْلِمون معه في ذلك، وسَخَّرَ أهلَ الأردن في نقلِ بقيّتِها، والرومُ جعلوا الصخرةَ مزبلةً؛ لأنّها قِبلةُ اليهودِ، حتّىٰ إنَّ المرأةَ كانتْ تُرسِلُ خِرْقَةَ حَيْضِها من داخلِ الحوز([2]) لِتُلْقَىٰ في الصخرةِ، وذلك مكافأة لما كانتِ اليهودُ عاملتْ به القمـامةَ، وهي المكانُ الذي كانتِ اليهودُ صلَبوا فيه المصلوبَ الذي كانوا يظنونَ أنه عيسىٰ  ، فجعلوا يُلقُونَ علىٰ قبرهِ القمـامةَ، فلأجلِ ذلك سُمّيَ ذلك الموضعُ: (القمـامة) وانسحبَ هذا الاسمُ علىٰ الكنيسةِ التي بناها النصارىٰ هنالك([3]).

 

([1])    «البداية والنهاية» (٧/٤٤).

([2])   مَرافِقُ الدّارِ ومنافعُها. «لسان العَرَب» (٥/٣٤٢).

([3])   «البداية والنهاية» أحداث سنة ١٦هـ فتح بيت المقدس.