مَوقعةُ أجنادينَ (١٥هـ):

  وهي مِنَ المعاركِ الفاصلةِ مع الرومِ، وذلك أنَّ عَمْرَو بنَ العَاصِ سارَ بجيشهِ إلىٰ أجنادينَ، وخرجتِ الرومُ وقائدُها الأرطبونُ. ولما وصلَ الخبرُ إلىٰ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ قالَ: قد رَمَيْنَا أرطبونَ الرومِ بأرطبون العَرَبِ، فانتظروا عمَّـا تنفرجُ.

  وأقام عَمْرٌو علىٰ أجنادينَ لا يقدِرُ مِنَ الأرطبون علىٰ سقطةٍ، ولا تشْفيهِ الرُّسُلُ فقرَّرَ أنْ يذهبَ بنفسهِ، فدخل عليه كأنه رَسُولٌ مِن قِبَلِ عَمْرِو ابنِ العَاصِ حتّىٰ ينظرَ إلىٰ حالِ الأرطبون، فسمعَ منه وأَسمعَهُ وخرجَ بمـا يريدُ، فشكَّ فيه الأرطبونُ فدعَا حَارِساً عندَهُ فأسَرَّ إليه، وظن عَمْرُو بنُ العَاصِ أنه كشفَ أمرَهُ وأنه أمرَ بقتلهِ. فقالَ للأرطبون: أيّها الأميرُ، إني قد سمعتُ كلامَكَ وسمعتَ كلامي، وإني واحدٌ مِن عشرةٍ بعثنا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ لنكونَ مع عَمْرِو بنِ العَاصِ لنشهدَ أمورَهُ، وقد أحببتُ أنْ آتيكَ بهم لِتَسْمَعَ منهم ويسمعوا منك.

  قالَ الأرطبون: نَعَمْ، فاذهبْ فأتني بهم. ثُمَّ دعا حَارِساً آخرَ وسَارَّهُ كمـا سارَّ الأولَ، وخرجَ عَمْرٌو، وبعدَها تحقَّقَ الأرطبونُ أنَّ الذي دخلَ عليه هو عَمْرُو بنُ العَاصِ وقالَ: خدعَني الرجلُ، هذا واللهِ أدْهَىٰ العَرَبِ. وبعد ذلك كانَ القتالُ بأجنادينَ، وكتبَ  اللهُ النَّصْرَ للمُسْلِمينَ. فخرج الأرطبونُ إلىٰ إيلياءَ وتحصَّنَ بها (وهي بَيْتُ المقْدِسِ)([1]).

 

([1])    «البداية والنهاية» أحداث سنة ١٥هـ وقعة أجنادين.