رِدّةُ أهلِ البحرينِ:

  ارتَدَّ أهلُ البحرينِ وملَّكوا عليهمُ المنذرَ بنَ النعمانِ، وقالَ قائلُهم: لو كانَ مُحَمَّدٌ نبيّاً ما ماتَ، ولَـمْ يبقَ منهم أحدٌ علىٰ الإسلامِ سوىٰ قرية يقالُ لها: جُواثاء([1])، وكانتْ أوّلَ قريةٍ أقامتِ الجُمُعَةَ مِنْ أهلِ الرِدَّةِ.

  وقد حاصرَ المرتدونَ أهلَ جواثاء، وضَيَّقُوا عليهم حتّىٰ جاعوا جُوعاً شَدِيداً، فقالَ قائلهم ــــ هو: عبد  الله بن حذَف ــــ:

ألا أَبْـِلــغ أبــا بَـكْــرٍ رَسُـولاً

وفـتـيـان المــدينة أجـمعـيـنـا

فـهـل لـكُـمُ إلـىٰ قــومٍ كـرامٍ

قـعـود فـي جـواثـا مُحصريـنـا

كـأنَّ دمـاءَهـم فـي كُـلِّ فَــجٍّ

       شعاعُ الشَّمْسِ يَغْشَىٰ النَّاظِرينا

تَـوكَّـلْـنَـا علـىٰ الرَّحمـٰـنِ إِنَّـا

   وَجَدْنَـا النصـرَ للمُتَوَكِّـلـيـنـا

 

  وقد قامَ فيهم رَجلٌ منهم يُقَالُ له: الجارودُ بنُ المعَلّىٰ خطيباً فقالَ: يا  معشرَ عبدِ القيسِ إني سائلُكم عن أمرٍ فأخبروني إنْ علمتموهُ، ولا تُجيبوني إنْ لَـمْ تعلَمُوه. فقالوا: سَلْ. قالَ: أتعلمون أنه كانَ لله أنبياءٌ قَبْلَ مُحَمَّدٍ؟ قالوا: نَعَمْ. قالَ: تعلمونه أو ترونه؟ قالوا: نعلمُهُ. قالَ: فمـا فعلوا؟ قالوا: مَاتوا. قالَ: فإنَّ مُحَمَّداً ماتَ كما ماتوا، وإني أشهدُ أنْ لَا إِلـٰــهَ إِلَّا  اللهُ وأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ  الله. فقالوا: ونحنُ أيضاً نشهدُ أنْ لَا إِلـٰــهَ إِلَّا  اللهُ وأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ  الله، وأنت أَفضلُنا وسَيّدُنا، وثَبتوا علىٰ إسلامِهم.

  وأرسل أبو بَكْرٍ إلىٰ أهلِ البحرينِ العلاءَ بنَ الحضرميِّ، وانضمَّ إليه ثمامةُ بنُ أثالٍ ولما اقتربَ مِن جُيوشِ المرتدين نزل ونزلوا، فبينمـا المُسْلِمونَ في الليل إِذْ سمعَ العلاءُ أصواتاً عاليةً في جَيشِ المرتدينَ، فقالَ: مَنْ رجلٌ يَكشفُ لنا خبرَ هؤلاءِ؟ فقام رجلٌ فدخل فيهم فوجدَهم سُكَارَىٰ لا يعقلونَ مِنَ الشَّرابِ، فرجع إليه فأخبرَه، فركبَ العلاءُ مِنْ فَوْرهِ والجيشُ معه، فَقتلُوهم وقلَّ مَنْ هربَ منهم([2]).

 

([1])    جواثاء: حصن لعبد القيس بالبحرين. «معجم البلدان» (٢/١٧٤)، ويقال: جواثا وجؤاثا. وحاليّاً تسمىٰ الإحساء، وهي ضمن أراضي المملكة العربية السعودية.

([2])   انظر: «تاريخ الطبري» ــــ ذكر خبر أهل البحرين، و«البداية والنهاية» أحداث ١١هـ، ذكر ردة أهل البحرين.