رؤوس الردة
19-03-2023
- الأسودُ العنسيُّ (عبهلةُ بنُ كعبٍ):
ادّعَىٰ النُّبوةَ وخرجَ في سبعمئة مُقاتلٍ زمنَ رَسُولِ الله، فقصدَ صنعاءَ وغلبَ عليها، واستوثقت اليَمَنُ كلُّها له، وجعل أمرُهُ يستطيرُ استطارةَ الشَّرارةِ، واستغلظَ أمرُهُ وارتَدَّ خَلْقٌ مِن أهلِ اليَمَنِ، وتوفي رَسُولُ الله وهو علىٰ ذلك. وقد قتلَهُ فيروز الدّيلميُّ زَمَنَ أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وكانَ الأسودُ نائمًـا سكراناً، فضرَبهُ ضربةً بالسيفِ فخَارَ كأشدِّ خَوارِ ثَوْرٍ سُمِعَ قَطُّ، فابتدرَ الحرسُ إلىٰ المقصورةِ، فقالوا: ما هذا؟ ما هذا؟ فقالت زوجتهُ (وكانت امرأةً صالحةً): النَّبِيُّ يُوحَىٰ إليه فرَجعوا، فاجتمع المُسْلِمونَ والكافرون الذين لَـمْ يتابعوهُ حولَ الحِصْنِ الذي فيه الأسودُ العنسيُّ، فنادَىٰ منادي المُسْلِمين: أشهدُ أنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله وأنَّ عبهلةَ كَذَّابٌ. وألقي إليهم رأسُهُ فانهزمَ أصحابُ الأسودِ وتبِعَهمُ النَّاسُ يأخذونَهم في كُلِّ طَريقٍ([1]).
- طليحةُ الأسَدِيُّ:
كانَ طليحةُ الأسَدِيُّ قدِ ارتَدَّ في حَياةِ النَّبِيِّ، فَلمَّـا ماتَ رَسُولُ الله ارْتَدَّ عيينةُ بنُ حِصنٍ عَنِ الإسلامِ وقامَ بمؤازرتهِ، وقالَ لقومه: واللهِ لَنَبِيٌّ مِنْ بني أَسَدٍ أَحبُّ إليِّ مِن نَبِيٍّ مِنْ بني هَاشمٍ. وقد ماتَ مُحَمَّدٌ وهذا طليحةُ فاتّبِعوه. فوافقَ قَومُهُ بنو فزارةَ علىٰ ذلك. فلمّـا كسرَهم خَالِدُ بنُ الوليدِ، هربَ طليحةُ بامرأتهِ إلىٰ الشَّامِ، ثُمَّ رجعَ بعدَ ذلك إلىٰ الإسلامِ، وذهبَ إلىٰ مَكَّةَ مُعتَمِراً زَمَنَ الصِّدِّيقِ، وَاسْتَحْيىٰ أنْ يُواجِهَ الصِّدِّيقَ مُدَّةَ حَياتهِ، ورجعَ فشهِدَ القتالَ مع خالدٍ في اليَرْمُوك وغيرِها. وكتبَ الصِّدِّيقُ إلىٰ خالدٍ: استَشِرْ طُليحةَ في الحربِ ولا تُؤَمِّرْهُ([2]).
- سجاحُ وبنو تميمٍ:
كانت بنو تميمٍ قَدِ اختلفتْ آراؤهم أيامَ الرّدّةِ فمنهم مَنِ ارْتَدَّ، ومنهم مَن منعَ الزَّكَاةَ ومنهم مَن بَقِيَ علىٰ الإسلامِ، ومنهم مَن هو مُتَرَدِّدٌ، وبينما هم كذلك إِذْ أقبلت إليهم سجاحُ بنتُ الحارثِ التغلبيةُ([3])، فادَّعتِ النبوةَ ومعها جنودٌ من قومِها ومَنِ التَفَّ معهم، وقد عزمتْ علىٰ غزو المدينةَ، فَلمَّـا مرَّتْ ببلادِ بني تميمٍ دَعتْهم إلىٰ أمرِها فاستجابَ لها أكثرُهم، واصطلحت معهم علىٰ أنْ لا تكونَ حربٌ بينهم، ثُمَّ إنَّ مَالكَ ابنَ نويرةَ ثَنَاها عن غزوِ المدينة، وحرَّضَها علىٰ قِتالِ بني اليربوع وبقيةِ النَّاسِ، وأنْ تؤخِّرَ غزوَ المدينةِ، ثُمَّ قصدت سجاحُ بجنودِها اليمامةَ لتأخذَها مِن مُسَيْلَمَةَ الكَذَّابِ، فَلمَّـا سمع مُسَيْلَمَةُ بمسيرها إليه خافَها؛ لأنَّه مشغولٌ بقتالِ المُسْلِمين وذلك أثناء مناوشَاتهِ معهم قبلَ معركةِ اليمامةِ، فأرسلَ إلىٰ سجاحَ يطلبُ الصُّلحَ معها فتصالحتْ معه علىٰ أنْ يعطيَها نِصْفَ الأرضِ. ثُمَّ أرسلَ إليها يطلبُ الزواجَ منها قائلاً: هل لك أنْ أتزوجَكِ وآكل بقومي وقومكِ العَرَبَ؟ قالت: نَعَمْ. ولما سمعتْ بقدومِ خالدٍ رجعتْ إلىٰ بلادِها. وأقامتْ في بني تغلبَ، وقيل: رجعتْ إلىٰ الإسلامِ([4]).
- مسيلمة الكذاب:
أرسلَ أبو بَكْرٍ خَالِدَ بنَ الوليدِ إلىٰ اليمامةِ لقتالِ بني حنيفةَ، وقد كانَ أبو بَكْرٍ أرسلَ قبلَ ذلك عِكْرِمَةَ بنَ أبي جَهلٍ وشُرَحبيلَ بنَ حَسَنَةَ، وكانَ عددُ جيشِ بني حنيفةَ أربعينَ ألفاً، ولما وصل خالدٌ جعلَ علىٰ المقدمةِ شُرَحبيلَ بنَ حَسَنَةَ، وعلىٰ الميمنة زَيْدَ بنَ الخَطَّابِ، وعلىٰ الميسرةِ أبا حُذَيْفَةَ.
وتقدم المُسْلِمون حتّىٰ نزلَ بهم خالدٌ علىٰ كثيب يشرفُ علىٰ اليمامةِ، فضربَ به عسكَرهُ، ورايةُ المهاجرينَ مع سالمٍ مَولىٰ أبي حُذَيْفَةَ، ورايةُ الأنصَارِ مع ثابتِ بنِ قَيْسٍ، واشتدَّ القتالُ حتّىٰ حفرَ ثَابتُ بنُ قَيْسٍ لِقَدميْهِ في الأرضِ إلىٰ أنصافِ ساقيْهِ بعدما تحنَّطَ وتَكفَّنَ، فلم يزلْ ثَابتاً حتّىٰ قُتِلَ. وقالَ بعضُ المهاجرينَ لسالمٍ مولَىٰ أبي حُذَيْفَةَ: أتخشىٰ أنْ نُؤْتَىٰ مِن قِبَلِكَ؟ فقالَ: بئسَ حاملُ القُرآنِ أنا إذاً.
وحملَ خَالِدُ بنُ الوليدِ حتّىٰ جاوزَهم ثُمَّ رجعَ، ثُمَّ وقفَ بين الصَّفَّيْنِ ودعَا إلىٰ البرازِ، وجعل لا يَبرزُ إليه أحدٌ إِلَّا قتلَهُ، ولما اشتدَّ القتالُ ميّزَ خالدٌ المهاجرينَ مِنَ الأنصَارِ مِنَ الأعرابِ، وجعلَ كُلَّ قَبيلةٍ تحتَ رَايةٍ حتّىٰ يَعْرِفَ النَّاسُ مِنْ أين يُؤْتَوْنَ، وصبرَ المُسْلِمونَ صَبْراً لَـمْ يُعْهَدْ مِثْلُهُ. ولَـمْ يزالوا يتقدمون إلىٰ نُحورِ عَدوِّهم حتّىٰ فتحَ اللهُ عليهم ووَلَّىٰ الكفارُ الأدبارَ، حتّىٰ دخلوا إلىٰ مكانٍ يُسَمَّىٰ (حديقةَ الموتِ)، وأَغلقتْ بنو حنيفةَ الحديقةَ عليهم وأحاطَ بهمُ الصَّحَابَةُ.
وقالَ البَرَاءُ بنُ مَالِكٍ: يا معشرَ المُسْلِمين! ألقوني عليهم في الحديقةِ فاحتملوهُ فوقَ الجَحَف (وهي التروس) ثم رفعوا التروس بالرِّمَاحِ حتّىٰ أَلْقَوهُ عليهم مِنْ فوقِ سُورِها، فلم يزلْ يُقاتِلْهم دونَ بابها حتّىٰ فَتَحَهُ، ودخل المُسْلِمون الحديقةَ مِنْ حيطانِها وأبوابها، يقتلونَ مَنْ فيها مِنَ المرتدينَ مِنْ أهلِ اليمامةِ حتّىٰ خَلَصُوا إلىٰ مُسَيْلَمَةَ، فتقدم إليه وَحْشِيُّ ابنُ حَربٍ فرماهُ بحَربتهِ فأصابهَ فقتَلَهُ([5]).
وكانَ جُملةُ مَن قُتِلَ قريباً مِن عشرةِ آلافٍ، وقُتِلَ مِنَ المُسْلِمينَ ستمئة. ولجأَ الباقونَ إلىٰ القلعةِ فصالحَهم خالدٌ ودعاهم إلىٰ الإسلامِ فأسلموا عن آخرِهم. وكانَ قد سُبِيَ منهم مَنْ أدركهُ قبلَ الدخولِ إلىٰ الحصنِ، ومنهمُ المرأةُ التي تسرَّىٰ بها عَلِيُّ بنُ أبي طَالِبٍ فأنجبتْ له مُحَمَّداً الذي يُقالُ له: مُحَمَّدُ ابنُ الحنفيةِ([6]).
([1]) «البداية والنهاية» (٦/٣١٥).
([2]) وفي هذا الرّأيِ مِنَ الحكمةِ وبعدِ النظرِ ما فيه، فأبو بَكْرٍ كانَ يعلمُ ما يمْلِكُ طليحةُ مِن خبرةٍ ودرايةٍ بشؤونِ الحربِ والقيادةِ، ولكن بسببِ ارتدادهِ عن دينِ الإسلام ثُمّ إسلامهِ مرةً أُخرَىٰ أصبحَ من غيرِ الممكنِ أنْ يقودَ جيشاً للمُسْلِمين، وعليه: فيستفادُ منه في المشورةِ فقط.
([4]) «البداية والنهاية» (٦/٣٢٤).
([5]) وكان وحشيٌّ يقولُ: «قتلتُ خيرَ الناسِ في الجاهليةِ وشرَّ الناسِ في الإسلام» انظر: «أسد الغابة» لابن الأثير (٥/٣٨٦) و«تاريخ الإسلام» للذهبي (٣/٣٩). يريد بخير الناس حمزة عم النبي.
([6]) «الطبقات الكبرىٰ» (٣/١٢)، وهي: خولةُ بنتُ جعفرِ بنِ قيسٍ.