كتاب أبي بكر للمرتدين
19-03-2023
كتاب أبي بكر للمرتدين:
ورجعَ الصِّدِّيقُ إلىٰ المدينةِ، وقد كتبَ لكُلٍّ منهم كِتاباً، وهذه نسختُهُ:
«بسمِ الله الرَّحمـٰـنِ الرحيمِ، مِن أبي بَكْرٍ خَليفةِ رَسُولِ الله إلىٰ مَن بَلغَهُ كتابي هذا مِن عَامَّةٍ وخَاصَّةٍ، أقامَ علىٰ إسلامهِ أو رجعَ عنه، سلامٌ علىٰ مَنِ اتَّبَعَ الهُدَىٰ ولَـمْ يَرجِعْ بعدَ الهُدَىٰ إلىٰ الضَّلالةِ والهوَىٰ، فإني أحـمَدُ اللهَ إليكمُ الذي لا إِلـٰــهَ إِلَّا هو، وأشهدُ أنْ لَا إِلـٰــهَ إِلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ، نُقِرُّ بمـا جَاءَ به، ونُكفِّرُ مَن أَبَىٰ ذلك ونجاهِدُهُ. أمّا بعدُ، فإنَّ اللهَ أرسلَ بِالحقِّ مِن عندِهِ إلىٰ خَلْقِهِ بَشِيراً ونَذيراً وَدَاعِياً إلىٰ اللهِ بإذنهِ وسِرَاجاً مُنيراً، لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيّاً ويحقَّ القولُ علىٰ الكافرينَ، فهدَىٰ اللهُ بِالحقِّ مَنْ أجابَ إليه، وضرَبَ رَسُولُ الله مَنْ أَدْبَرَ عنه، حتّىٰ صارَ إلىٰ الإسلامِ طَوعاً أو كَرْهاً، ثُمَّ تَوفَّىٰ اللهُ رَسُولَهُ، وقد نَفَذَ لأمرِ الله، ونصحَ لأُمَّتهِ، وقضَىٰ الذي عليه، وكانَ اللهُ قد بيَّنَ له ذلك، ولأهلِ الإسلامِ في الكِتَابِ الذي أنزلَ فيه فقالَ: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ٣٠﴾ [الزمر: ٣٠]، وقالَ: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ ٣٤﴾ [الأنبياء: ٣٤]، ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ ١٤٤﴾ [آل عمران: ١٤٤].
فمَنْ كانَ يَعبدُ مُحَمَّداً فإنَّ مُحَمَّداً قد ماتَ، ومَنْ كانَ يعبدُ اللهَ فإنَّ اللهَ حَيٌّ لا يَموتُ، لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ، حَافِظٌ لأَمْرِهِ، مُنْتَقِمٌ مِنْ عَدُوِّهِ، وإني أوصيكم بتقوَىٰ الله، وحظكم ونصيبكم، وما جاءَكم به نَبيُّكم، وأنْ تهتدوا بهداهُ، وأنْ تعتصموا بدينِ الله، فإنَّ كُلَّ مَنْ لَـمْ يَهْدِهِ اللهُ ضَالٌّ، وكُلَّ مَنْ لَـمْ يُعِنْهُ اللهُ مَخذولٌ، ومَنْ هَداهُ غيرُ الله كانَ ضَالّاً.
قالَ اللهُ تعالىٰ: ﴿وَتَرَى ٱلشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ ٱلشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ مَنْ يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا ١٧﴾ [الكهف: ١٧]، ولن يُقْبَلَ له في الدنيا عملٌ حتّىٰ يُقرَّ به ولَـمْ يُقبلْ له في الآخرةِ صَرفٌ ولا عَدلٌ، وقد بلغني رُجُوعُ مَنْ رَجعَ مِنكم عن دينهِ بعدَ أنْ أقرَّ بالإسلامِ، وعَمِلَ به، اغْتِرَاراً بالله وجهلاً بأمرهِ، وإجابةً للشيطانِ.
قالَ اللهُ تعالىٰ: ﴿يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ ٥﴾ [فاطر: ٥].
وإني بَعثتُ إليكم في جَيْشٍ مِنَ المهاجرينَ والأنصَارِ، والتابعينَ بإحسانٍ، وأمرتُهُ أنْ لا يقبلَ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا الإيمـانَ بالله، ولا يَقتُلَهُ حتّىٰ يَدعوهُ إلىٰ الله ، فإنْ أجابَ وأَقرَّ وعَمِلَ صَالحاً قَبِلَ منه، وأَعانَهُ عليه، وإنْ أبَىٰ حَارَبهُ حتّىٰ يَفِيءَ إلىٰ أمرِ الله، ثُمَّ لا يبقي علىٰ أحدٍ منهم قَدَرَ عليه، وأنْ يُحرِّقَهم بالنَّارِ وأنْ يقتُلَهم كُلَّ قِتْلةً، وأنْ يَسْبِيَ النِّسَاءَ والذَّرَاريَ ولا يقبلَ مِنْ أَحَدٍ غيرَ الإسلامِ فَمَنِ اتَّبَعهُ فهو خيرٌ لهُ، ومَنْ تَرَكَهُ فلنْ يُعجزَ اللهَ، وقد أَمَرْتُ رَسُولي أنْ يَقرأَ كتابَهُ في كُلِّ مَجمعٍ لكم، والداعيةُ الأذانُ، فإذا أَذَّنَ المُسْلِمونَ فكفّوا عنهم، وإنْ لـم يؤذِّنوا فسَلُوهم ما عليهم، فإنْ أبَوا عَاجِلُوهم، وإنْ أقرّوا حمل منهم علىٰ ما ينبغي لهم»([1]).