ابو بكر جمع القرآن
19-03-2023
جمع القرآن الكريم:
قالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ اليَمَامَةِ وَعِنْدَهُ عُمَرُ، فَقالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقالَ: إِنَّ القَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ اليَمَامَةِ بِالنَّاسِ، وَإِنِّي أَخْشَىٰ أَنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ بِالقُرَّاءِ فِي المَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ القُرْآنِ، إِلَّا أَنْ تَجْمَعُوهُ، وَإِنِّي لأَرَىٰ أَنْ تَجْمَعَ القُرْآنَ.
قالَ أَبُو بَكْرٍ: قُلْتُ لِعُمَرَ: كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئاً لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ؟ فَقالَ عُمَرُ: هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ.
فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِيهِ حَتَّىٰ شَرَحَ اللهُ لِذَلِكَ صَدْرِي، وَرَأَيْتُ الَّذِي رَأَىٰ عُمَرُ.
قالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: وَعُمَرُ عِنْدَهُ جَالِسٌ لَا يَتَكَلَّمُ.
فَقالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ وَلَا نَتَّهِمُكَ، كُنْتَ تَكْتُبُ الوَحْيَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ، فَتَتَبَّعِ القُرْآنَ فَاجْمَعْهُ. فَوَاللهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ القُرْآنِ.
قُلْتُ [زيد]: كَيْفَ تَفْعَلَانِ شَيْئاً لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ ﷺ؟ فَقالَ أَبُو بَكْرٍ: هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ، فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ حَتَّىٰ شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ اللهُ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقُمْتُ فَتَتَبَّعْتُ القُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الرِّقَاعِ وَالأَكْتَافِ وَالعُسُبِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّىٰ وَجَدْتُ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ آيَتَيْنِ مَعَ خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهُمَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِه: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ... ١٢٨﴾ [التوبة: ١٢٨] إِلَىٰ آخِرِهِمَا، وَكَانَتِ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا القُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّىٰ تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّىٰ تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ([1]).
وقَدْ وافقَ المسلمونَ أبا بكرٍ علىٰ ذلكَ، وَعَدُّوه مِن حَسَناتِه حتىٰ قالَ عليٌّ: «أَعْظَمُ الناسِ في المَصَاحِفِ أجراً أبو بكر، رحمةُ اللهِ علىٰ أبي بكرٍ، هُو أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ ما بين اللَّوحِين»([2]).
واتَّسَم جَمْعُ القرآنِ في عهدِ أبي بكرِ الصديقِ بِعِدَّةِ سِماتٍ، مِنْ أَبْرَزِها:
- كِتابته قامتْ علىٰ أَدَقِّ وسائلِ التَّثَبُّتِ والاستِيثاقِ، فَلَم يُقبل فيه إلّا ما أَجْمَعوا علىٰ أَنَّه قرآن وتَواتَرتْ رِوايتُهُ.
- جُمِعَ في مُصْحَفٍ واحدٍ مرتَّبِ الآياتِ والسُّورِ.
- مُوافَقَتُه لماَ ثَبَتَ في العَرْضَةِ الأخيرة([3]).
- اقتصارُه علىٰ ما لَم تُنْسَخ تِلاوتُه، وتَجْرِيده مما ليسَ بِقُرآن.
- اشتمالُه علىٰ الأَحْرُفِ السَّبعةِ التِي ثَبَتَتْ في العَرْضةِ الأخيرةِ.
- إِجماعُ الصَّحابةِ علىٰ صِحَّتِهِ وَدِقَّتِه، وتَلَقيهم له بالقَبولِ.
([2]) صَحَّحَهُ ابْنُ كَثيرٍ في «التفسير» (١/٢٥)، وَحَسّنَهُ الحافِظُ ابْنُ حَجَرٍ في «فَتْحِ البَاري» (٩/١٢).
([3]) العَرْضَةُ الأخِيرةُ: هي قِرَاءَةُ جِبْريلَ القُرْآنَ علىٰ رَسُولِ اللهِ ﷺ.