الفَصْلُ الأَوَّلُ

خِلافَةُ الخَليفةِ أَبي بكرٍ الصِّدِّيق  رضي الله عنه
مِنْ سَنةِ ١١ إلىٰ ١٣هـ

تمهيد

  لما أُعْلِنَ أنَّ رَسُولَ  الله قد تُوفِّيَ، جَاءَ أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ  رضي الله عنه مِنَ السنحِ([1]) (أَيْ: العَوالِي)، فكشفَ عن وَجْهِ رَسُولِ  الله، فقَبَّلَ بينَ عَيْنيْهِ، وقالَ: بأبي أنت وأُمّي طَبْتَ حَيّاً وَمَيِّتاً.

  وغَطَّىٰ أبو بَكْرٍ  رضي الله عنه رَسُولَ  الله، ثُمَّ قام فصعدَ المنبرَ، فقالَ: «مَنْ كانَ منكم يَعبدُ مُحَمَّداً فإنَّ مُحَمَّداً قد ماتَ، ومَنْ كانَ منكم يعبدُ  اللهَ فإنَّ  اللهَ حَيٌّ لا يموتُ».

  قالَ تعالىٰ: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ ١٤٤﴾ [آل عمران: ١٤٤].

  فنشجَ النَّاسُ يَبكُونَ، وخرجَ أصحَابُ رَسُولِ  الله في الشَّوارعِ يُردّدونَ هذه الآيةَ، يقولُ أنَسٌ: «وكأنَّنا لَـمْ نَسْمَعْها إلَّا في ذلكَ الوقتِ»([2]).

  مع أنَّ القُرآنَ قد كملَ في زَمنِ رَسُولِ  الله وقبلَ وفَاتهَ، ومع هذا؛ فإنَّ هذه الآيةَ بَدَتْ وكأنّها جديدةٌ عليهم، كأنَّهم لَـمْ يسمَعوها قبلَ ذلك مِن شِدَّةِ الصَّدْمَةِ، وهي خبرُ وفاةِ النَّبِيِّ.

  وقامَ العَبَّاسُ بنُ عبدِ المُطَّلبِ، وعَلِيُّ بنُ أبي طَالِبٍ، والفضلُ بنُ العَبَّاسِ، وآخرون بتَغسيلِ وتكفينِ رَسُولِ  الله حتّىٰ يُصَلَّىٰ عليه ويُدْفَنُ (بأبي هو وأُمِّي)، وذلك لأنَّ العَبَّاسَ هو عَمُّ النَّبِيِّ، وعليّاً ابنُ عَمِّهِ، والفضلَ ابنُ عَمِّهِ، فكانوا هُم أَوْلَىٰ النَّاسِ برَسُولِ  الله.

 

([1])    مكان قريب من المدينة، فيه زوجته حبيبة بنت خارجة.

([2])   أخرجه البُخَارِيّ (٣٦٦٨).