المَقْصِدُ الثَّالِثُ

وسائلُ الإخباريينَ في تشويهِ التَّاريخِ

  للإِخْباريِّينَ الْمُنْحَرِفينَ وَسَائِلُ كَثيرَةٌ فِي تَشْويهِ التَّارِيخِ، نَذْكُرُ مِنْها:

  • الاختلاقُ والكَذِبُ: إنهم يختلقونَ قِصّةً ما، كما اختلقوا مثلاً أنَّ عَائِشَةَ لما جاءَها خَبَرُ موتِ عَلِيٍّ  رضي الله عنه سَجدتْ لله شُكْراً. وهذه قصةٌ مكذوبةٌ([1]).
  • الزيادةُ علىٰ الحادثةِ أو النُّقصانُ منها بقصدِ التّشْويهِ: فمثلاً يكون أصلُ الحادثةِ صَحيحاً كحادثةِ (السَّقِيفَةِ)، فقصةُ السَّقِيفَةِ صَحيحةٌ، ووقعَ هناك اجْتِمَـاعٌ بين أبي بَكْرٍ وعُمَرَ وأبي عُبَيْدَةَ مِن جانبٍ، والْحُبَابِ بْنِ المُنْذِرِ وسَعدِ بنِ عُبادةَ وغيرِهما مِنَ الأنصَارِ من جانبٍ آخر، فيزيدون علىٰ هذه الحادثة أشياءَ كما سَيَأْتِي ذكرُهُ مما أرادوا به تَشويهَ هذه الحقيقةِ.
  • التأويلُ الباطلُ للأحداثِ: وهو أنْ يجتهدوا في تَأويلِ الحدَثِ تَأْوِيلاً بَاطِلاً يتماشَىٰ مع أهوائِهم، ويتماشىٰ مع معتقدِهم وبدعتِهم التي هم عليها.
  • إبْرَازُ المَثَالِبِ والأخطاءِ: هنا تكون القِصَّةُ صحيحةً، ولكن يبرزونها إِبْرَازاً يركزون فيه علىٰ الأخطاءِ، ويغطون علىٰ أَيَّةِ مَحاسنَ.
  • صِناعةُ الأشعارِ لِتأييدِ حَوادثَ تاريخيّةٍ: يصنعون شعراً يُؤلِّفُهُ أَحدُهم ثُمَّ يَنْسُبُهُ إلىٰ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ  رضي الله عنه، أو يَنْسُبُهُ إلىٰ أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ  ، أو يَنْسُبُهُ إلىٰ الزُّبَـيْـرِ  رضي الله عنه أو إلىٰ طَلْحَةَ  رضي الله عنه في الطَّعْنِ في أَحدِ الصَّحَابَةِ، كما نَسبوا شِعْراً لابنِ عَبَّاسٍ  أنه قالَ في حَقِّ أُمِّ المُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ:

 تَـبَـغَّـلـت تَـجَـمَّــــلْـتِ

ولو شِـئْـت تَفَيَّلْتِ([2])

  • وَضْعُ الكُتُبِ والرَّسَائلِ المزَيَّفَةِ: كما سيأتينا ــــ إنْ شاءَ  الله تباركَ وتعالىٰ ــــ في قِصّةِ مَقْتَلِ عُثْمَـانَ  رضي الله عنه حين زُيّفَتْ كُتُبٌ علىٰ لِسَانِ عُثْمَـانَ، زُيّفَتْ كُتُبٌ علىٰ لِسَانِ عَائِشَةَ، زُيّفَتْ كُتُبٌ علىٰ لِسَانِ عَلِيٍّ، وطَلْحَةَ، والزُّبَـيْـرِ. وهذا غيرُ الكُتُبِ التي تُؤلَّفُ وتُزَيَّفُ ككتابِ «نَهج البلاغة»، ونُسِبَ إلىٰ عَلِيِّ بنِ أبي طَالِبٍ، وكتابِ «الإمامة والسياسة» الَّذي نَسبوهُ لابنِ قُتَيْبَةَ([3]).
  • استغلالُ تشَابُهِ الأسماءِ: فابنُ جَريرٍ مثلاً اثنان:

  الأول: مُحَمَّدُ بنُ جَريرِ بنِ يَزِيدَ، أبو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ، إمامٌ مِن أئمّةِ أهلِ السُّنَّةِ، وصاحبُ «التاريخ» و«التفسير».

  الثاني: مُحمّد بن جرير بن رُسْتُمْ، أبو جعفر الطّبري، إمام مِن أئمة الشِّيعَةِ([4]).

  فينسبونَ كُتبَ ابنِ جريرٍ الشِّيعيَّ لابنِ جَريرٍ السُّنِّيِّ مثل كتاب «دلائل الإمامة الواضحة ونور المعجزات».

  وابنُ حَجَرٍ اثنان:

  الأول: أحمدُ بنُ عليِّ بنِ حَجَرٍ العسقلانيُّ مِن أئمّةِ الحديثِ.

  والآخرُ: أحمدُ بن حجر الهيتَمِيُّ إمامٌ في الفقهِ، وليسَ له بضاعة في الحديثِ، وله أخطاءٌ ظاهرةٌ، وعليه بعضُ المؤاخذاتِ، فيأخذونَ تصحيحَ الهيتَميّ وينسبونَهُ للعسقلانيِّ.

 

([1])    ذكرها أبو الفرج الأصبهاني في «الأغاني» (ص٥٥)، وأبو الفرج شيعي متهم بالكذب كما في ترجمته في: «تاريخ بغداد» و«الميزان»، وذكرها المتشيع التيجانيُّ في كتابه: «فاسألوا أهل الذكر» (ص٩٧)، ولَـمْ يَعزُها لأحدٍ.

([2])   أيْ: ركبت البغلَ ثُمَّ الجملَ، وإنْ شئت ركبت الفيلَ؛ أيْ: للقتالِ وإثارةِ الفتْنةِ.

([3])   انظر: مقدمة «تأويل مشكل القُرآن» لابن قتيبة (ص ٣٢) تحقيق: السيد أحـمد صقر، ومقدمة «الميسر والقداح» لابن قتيبة، تحقيق: محب الدين الخطيب.

([4])   «لسان الميزان» في ترجمة محمد بن جرير بن رستم (٧/٢٩).