لمّا أوذي من أهل مكة قيل له: لو دعوت عليهم. قال: «إني لم أبعث لعّاناً، وإنما بُعثت رحمة»([1]).

قال القاضي عياض رحمه الله: «انظر في هذا القول من جماع الفضل ودرجات الإحسان وحسن الخلق وكرم النفس وغاية الصبر والحِلْم، إذ لم يقتصر ﷺ علىٰ السكوت عنهم حتىٰ عفا عنهم، ثم  أشفق عليهم ورحمهم، ودعا وشفع لهم ﷺ»([2]).

ولما جاءه غورث بن الحارث ليفتك به، ورسول الله ﷺ نائم تحت الشجرة وحده، فلم ينتبه النبي ﷺ إلا وغورث معه السيف صلتاً يقول لنبي الله ﷺ: من يمنعك مني؟ فقال ﷺ: «الله». فسقط السيف من يده فأخذه النبي ﷺ فقال له: «من يمنعك مني؟». قال: كن خير آخذ. فتركه ﷺ، وعفا عنه، فرجع الرجل إلىٰ قومه فقال: جئتكم من عند خير الناس([3]).

وجيء إليه برجل فقيل: هذا أراد أن يقتلك. فقال له النبي ﷺ: «لم ترع، لم ترع، ولو أردت ذلك لم يسلطك الله عليَّ»([4]).

ولما جاءه أبو سفيان بن الحارث وكان قد أغضب النبي ﷺ لما هجاه، فقال أبو سفيان للنبي ﷺ: ﴿ تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾  [يوسف: 91]؛ فقال له ﷺ: ﴿ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ﴾ [يوسف: 92]([5]).

وشهد له أبو سفيان بن حرب لما قال له: ما أحلمك وأوصلك وأكرمك([6]).

 

([1])             أخرجه البخاري (6033).

([2])            أخرجه مسلم (2599)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

([3])            «الشفا» (1/106).

([4])            أخرجه أحمد (14929)، من حديث جابر رضي الله عنه.

([5])            أخرجه أحمد (15868)، والنسائي في «الكبرى»، من حديث جعدة رضي الله عنه.

([6])            أخرجه أحمد (3/364).