وأقبل أبو بكر من السُنْحِ([1])، وذلك أنه لما أَطَلَّ النبي بوجهه الكريم علىٰ المسلمين وهم يصلون الفجر في اليوم الذي توفي فيه ظن أبو بكر رضي الله عنه أنه عوفي، فاستأذن رسول الله ليذهب إلىٰ زوجته في السنح وهي حبيبة بنت جندب، وما إن بلغه خبر وفاة النبي ﷺ رجع رضي الله عنه فدخل المسجد، ولم يكلم الناس، ثم دخل بيت رسول الله ﷺ عند عائشة فتيمم رسول الله ﷺ([2]) وهو مغشّىٰ بثوب، فكشف عن وجهه، ثم أكب عليه وقبله بين عينيه وبكىٰ. ثم قال: بأبي أنت وأمي ما أطيبك حياً وميتاً، لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي كُتبت عليك فقد مِتّها.

ثم خرج أبو بكر وإذا عمر يكلم الناس فقال: اجلس يا عمر.

فأبىٰ عمر أن يجلس، فتركه وأقبل علىٰ الناس وأقبل الناس عليه، فقال   أبو بكر رضي الله عنه: أما بعد، من كان منكم يعبد محمداً ﷺ فإن محمداً قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت، قال الله تبارك وتعالىٰ: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: 144].

قال ابن عباس رضي الله عنه: والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتىٰ تلاها أبو بكر، فتلقاه الناس كلهم، فما أسمع بشراً من الناس إلا يتلوها([3]).

قال عمر رضي الله عنه: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فَعَقَرت حتىٰ ما تقلّني رجلاي، وحتىٰ أهويت إلىٰ الأرض حين سمعته تلاها وعلمت أن النبي ﷺ قد مات([4]).

قال ابن عمر: لما قرأ أبو بكر الآية وكأنما علىٰ وجوهنا أغطية فكُشفت([5]).

 

([1])             أخرجه البخاري (4462).

([2])            وهي منطقة قريبة من المدينة.

([3])            أي ذهب إليه.

([4])            أخرجه البخاري (1241، 1242).

([5])            أخرجه البخاري (4454).