ذكر ابن سعد عن شيبة بن عثمان الحجبي قال: لما كان عام الفتح دخل رسول الله ﷺ مكة عنوة. قال: أسير مع قريش إلىٰ هوازن بحنين، فعسىٰ إن اختلطوا أن أصيب من محمد غرة وأثأر منه، فأكون أنا الذي قمت بثأر قريش كلها.

وأقول: لو لم يبق من العرب والعجم أحد إلا اتبع محمداً ما تبعته أبداً، وكنت مرصداً لما خرجت لا يزداد الأمر في نفسي إلا قوة، فلما اختلط الناس اقتحم رسول الله ﷺ عن بغلته([1]) فأصْلَتُّ السيف، فدنوت منه أريد ما أريد، ورفعت سيفي حتىٰ كدت أشعره إياه([2])، فرُفِع لي شواظ من نار كالبرق كاد يَمْحَشُني، فوضعت يدي علىٰ بصري خوفاً عليه، فالتفت إليّ رسول الله ﷺ ثم ناداني وقال: «يا شيبة ادنُ مني». فدنوت منه فمسح صدري ثم قال: «اللَّهم أعذه من الشيطان». فقال شيبة: فوالله، لهو كان ساعتئذٍ أحب إليَّ من سمعي وبصري ونفسي، وأذهب الله ما كان في نفسي. ثم قال لي: «ادنُ، وقاتل».

فتقدمت أمامه أضرب بسيفي، والله يعلم إني أحب أن أقِيَه بنفسي كل شيء، ولو لقيت أبي تلك الساعة لو كان حياً لأوقعت به السيف، فجعلت ألزمه فيمن لزمه حتىٰ تراجع المسلمون، فكروا كرة رجل واحد، فقرّبت بغلة رسول الله ﷺ فثوىٰ عليها، وخرج في إثرهم حتىٰ تفرقوا من كل وجهة.

ورجع إلىٰ معسكره، فدخل خباءه، فدخلت عليه وما دخل عليه أحد غيري حباً لرؤية وجهه وسروراً به، فقال: «يا شيبة، الذي أراد الله بك خيرٌ مما أردت لنفسك». ثم حدثني بكل ما أضمرت في نفسي ما لم أكن أذكره لأحد قط. قال: فقلت: إني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، ثم قلت: استغفر لي. فقال: «غفر الله لك»([3]).

ولا أجد تعليقاً علىٰ هذه الحادثة إلا أن أقول: أعد قراءتها ثانية وثالثة ورابعة وخامسة.

 

([1])             نزل منها.

([2])            أقتله.

([3])            أخرجه ابن سعد في «الطبقات» (105)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (23/256).