في صباح السابع عشر من رمضان، تحرك النبي ﷺ إلىٰ مكة وأمر العباس أن يحبس أبا سفيان في مضيق الوادي حتىٰ يرىٰ الجيش وهو يمر، ففعل، فمرت القبائل فكل قبيلة معها رايتها، فكلما مرت به قبيلة يقول: يا عباس من هذه؟ فيقول: سليم. فيقول أبو سفيان: ما لي ولسليم. ثم تمر به القبيلة فيقول: يا عباس من هؤلاء؟ فيقول: مُزيْنة. فيقول: ما لي ولمُزينة.

حتىٰ نفذت القبائل فما تمر به قبيلة إلا سأل العباس عنها، فإذا أخبره قال: مالي ولبني فلان، ما لنا طاقة أن نقاتل كل هؤلاء، حتىٰ مرّ به الرسول ﷺ في كتيبته الخضراء فيها المهاجرون والأنصار، لا يُرىٰ منهم إلا الحدق من الحديد([1])، قال: سبحان الله يا عباس، من هؤلاء؟ قال: هذا رسول الله ﷺ والمهاجرون والأنصار. قال أبو سفيان: ما لأحدٍ بهؤلاء قبلٌ ولا طاقة. ثم قال: والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيماً. قال العباس: يا أبا سفيان إنها النبوة. قال: فنَعَم إذاً، إنها النبوة.

وكانت راية الأنصار مع سعد بن عبادة رضي الله عنه، فمر سعد بأبي سفيان فقال له: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة([2])، اليوم أذلّ الله قريشاً.

فلما حاذىٰ رسولُ الله ﷺ أبا سفيان قال لرسول الله ﷺ: يا رسول الله أما تسمع ما قال سعد؟ قال: «وما قال؟» قال: قال كذا وكذا. فقال عثمان وعبدالرحمن بن عوف: يا رسول الله ما نأمن أن يكون له في قريش صولة([3]). فقال رسول الله ﷺ: «بل اليوم يومٌ تعظم فيه الكعبة، اليوم يومٌ أعز الله فيه قريشاً»([4]). ثم أرسل إلىٰ سعد، فنزع منه اللواء، ودفعه إلىٰ ابنه قيس.

وقيل: إن اللواء لم يخرج عن سعد وقيل: دُفع إلىٰ الزبير، والله أعلم.

فدخل أبو سفيان وقال لقريش: قد جاءكم ما لا قِبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. قالوا: قاتلك الله، وما تُغني عنّا دارك([5]). قال: ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن.

فتفرّق الناس إلىٰ دورهم وإلىٰ المسجد وأصبحت أم القرىٰ، وقد قيّد الرعب حركاتها، واختفىٰ الرجال وراء الأبواب الموصدة يرتقبون مصيرهم وهم واجمون، وإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين.

 

([1])             فقط عيونهم التي ترىٰ من الحديد.

([2])            نقتلكم.

([3])            يقتل في قريش.

([4])            أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (8/9).

([5])            ما تكفينا.