حصار المدينة
13-03-2023
لما جاءت قريش بجيشها وحلفائها وحاصروا مدينة رسول الله ﷺ؛ رآهم المؤمنون، فقالوا كما ذكر الله تبارك وتعالىٰ عنهم: ﴿وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 22].
أما المنافقون داخل المدينة فقالوا بعكس قول المؤمنين: ﴿وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا﴾ [الأحزاب: 12].
فهذان موقفان: موقف المؤمنين ﴿ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ ، وموقف المنافقين والذين في قلوبهم مرض ﴿ مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا﴾ ، في مثل هذه المواقف: الجوع شديد، حصار، عشرة آلاف، قلة، داخل المدينة؛ هنا تظهر المعادن، ويظهر المؤمن ويظهر المنافق، ثم بدأ القتال، فصاروا يترامون.
ووجد المشركون ثغرة فأرادوا أن يدخلوا منها، فخرج إليهم جمع من المسلمين بقيادة علىٰ بن أبي طالب وسدوا عليهم الثغرة، فطلبوا المبارزة فقام عمرو بن ود أو ابن عبد ود ــ علىٰ خلاف فىٰ اسمه ــ وكان من الشجعان فقال: من يبارزني؟ وكان قد جاوز المئة من عمره علىٰ المشهور، فخرج إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال له: يا عمرو إنك قد كنت عاهدت الله ألا يدعوك رجل من قريش إلا أحد خلتين إلا أخذتها منه؟ قال: أجل. قال علي: فإني أدعوك إلىٰ الله ورسوله وإلىٰ الإسلام. قال: لا حاجة لي بذلك. قال: فإني أدعوك إلىٰ النزال فقال: يا ابن أخي فوالله ما أحب أن أقتلك. قال علي: لكني والله أحب أن أقتلك. فحمي عمرو، ونزل عن فرسه، فتنازلا فقتله علي.
وكان قد قال عمرو:
ولقد بَحَحْت من النداء
لِجَمعهم هل مِنْ مُبارز
وَوَقَفتُ إذ جَبُنَ المُشَجِّعُ
موقفَ القَرنِ المُناجِز
ولِذاكَ إِنِّي لَمْ ألُ
مُتَسَرِّعاً قِبَلَ الهَزَاهِز
إنَّ الشجاعةَ في الفَتَىٰ
والجودَ مِنْ خيرِ الغَرائز
فرد عليه علي:
لا تَعْجَلَنَّ فقد أتاكَ
مُجِيبُ صَوِتِكَ غيرَ عاجز
في نيةٍ وبَصيرةٍ
والصدقُ مَنْجَىٰ كُلِّ فائز
إني لأرجو أن أُقيمَ
عليك نائحةَ الجَنائِز
من ضربةٍ نَجْلاءَ يَبقىٰ
ذِكْرُها عِنْد الهزاهِز
ثمّ صارت مراماة بين المسلمين والمشركين؛ لأنهم لا يستطيعون أن يتجاوزوا الخندق، ورُمي سعد بن معاذ رضي الله عنه، وأصيب أكحله، فقال بعد المعركة: اللَّهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إليَّ أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه.
وهنا يظهر بغضه لقريش أكثر من غيرهم؛ لأنهم آذوا الرسول ﷺ طردوه، وحاولوا قتله، وألَّبوا الناس عليه، فحبُّ أصحاب الرسول ﷺ وبغضهم مرتبط برسول الله ﷺ، وبدين الله تبارك وتعالىٰ، وهكذا يجب علىٰ المسلم أن يكون حبه وبغضه لله.
ثمّ قال: اللَّهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن كان بقي من حرب قريش شيء، فأبقني لهم حتىٰ أجاهدهم فيك، وإن كنت وضعت الحرب فافجرها واجعل موتي فيها، ثم قال: ولكن لا تُمتني حتىٰ تقر عيني في بني قريظة؛ لأنهم خانوا الله وخانوا رسوله ﷺ([1])، وهم القسم الثالث من اليهود.
([1]) انظر: «تاريخ الطبري» (2/575)، «المنتظم» لابن الجوزي (3/244).