* عمير بن الحمام رضي الله عنه: سمع النبي ﷺ يقول: «والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر؛ إلا أدخله الله الجنة»، وكان يقول: «قوموا إلىٰ جنة عرضها السماوات والأرض»، فقام عمير بن الحمام فقال: يا رسول الله بخ بخ. فقال الرسول ﷺ: «ما يحملك علىٰ قولك بخ، بخ؟» فقال: لا والله يا رسول الله إلا رجائي أن أكون من أهلها. فقال النبي ﷺ مبشراً له: «فإنك من أهلها». فأخرج تمرات، فجعل يأكل منها، ثم قال: لئن أنا حييت حتىٰ آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة. فرمىٰ التمرات ودخل وقاتل حتىٰ قُتل رضي الله عنه([1]).

* قال ابن عباس رضي الله عنهما: بينما رجل من المسلمين يشتد في إثر رجل من المشركين أمامه؛ إذ سمع ضربة في السوط فوقه وصوت الفارس: أقدم حيزوم، فنظر إلىٰ المشرك أمامه صريعاً، فجاء الأنصاري فحدّث رسول الله ﷺ فقال: «صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة»([2]).

* وقال أبو داود المازني رضي الله عنه: إني لأتبع رجلاً من المشركين لأضربه؛ إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أنه قد قتله غيري([3]).

* وجاء رجل من الأنصار بالعباس بن عبد المطلب أسيراً ــ والعباس خرج مع المشركين وكان كارهاً فأُسِر ــ قال: يا رسول الله أسرتُ العباس. فقال العباس: لا والله ما هذا أسرني، لقد أسرني رجل أجلح من أحسن الناس وجهاً علىٰ فرس أبلق([4])، وما أراه في القوم. فقال الأنصاري: أنا أسرته يا رسول الله، فقال النبي ﷺ: «اسكت، فقد أيدك الله بملك كريم»([5]).

* قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: إني لفي الصف يوم بدر إذ ألتفت، فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن، إذ قالا لي: يا عم أرنا أبا جهل. قلت: فما تصنعان به؟ قالا: أُخبرنا أنه يسب رسول الله ﷺ. قلت: والذي نفسي بيده لئن رأيته لأخبرنكما، فقال أحدهما: والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتىٰ يموت الأعجل منا. فتعجبت لذلك، فلم أنشب أن رأيت أبا جهل يجول في الناس، فقلت: ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألان عنه. فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتىٰ قتلاه، ثم انصرفا إلىٰ رسول الله ﷺ فقال: أيكما قتله؟ فقال كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال الرسول ﷺ: «هل مسحتما سيفيكما؟». فقالا: لا. فنظر الرسول ﷺ إلىٰ السيفين فقال: «كلاكما قتله([6])».

ولما سقط أبو جهل جاءه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فقال له: قد أخزاك الله يا عدو الله. فقال أبو جهل هل فوق رجل قتلتموه.

وهو مع ما كان من كفره وعناده إلا إنه كان من شجعان العرب.

ثمّ قال أبو جهل لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أخبرني لمن الدائرة اليوم؟ قال: لله ولرسوله. فقام عبد الله بن مسعود ووضع رجله علىٰ عنق أبي جهل، فقال أبو جهل: لقد ارتقيت مرتقىً صعباً يا رويعي الغنم. قال ابن مسعود: فاحتززت رأسه عند ذلك. ثمّ ذهب به إلىٰ رسول الله ﷺ، فلما رآه النبي ﷺ قال: «هذا فرعون هذه الأمة»([7]).

* كان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه صديقاً لأمية بن خلف في مكة، فلما كان يوم بدر مرّ عبد الرحمن بن عوف بأمية بن خلف وهو واقف مع ابنه آخذاً بيده، ومع عبد الرحمن بن عوف أدراع قد استلبها وهو يحملها، فلما رآها قال: هل لك فيَّ؟ فأنا خير من هذه الأدراع التي معك([8]). قال: ما رأيت كاليوم قط، أمـا لكم حاجـة في اللبن([9])؟ فطـرح عبد الرحمن بن عوف الأدراع وأخذهما يمشي بهما، وقال أمية لعبد الرحمن: من الرجل منكم المعلم بريشة النعامة في صدره؟ قلت: ذاك حمزة بن عبد المطلب. قال: ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل.

قال عبد الرحمن: فوالله إني لأقودهما إذ رآه بلال معي، وكان أمية هو الذي يعذب بلالاً في مكة. فقال بلال: رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا. فقـال عبد الرحمن بن عوف: أي بلال أسيري. قال: لا نجوت إن نجا. ثمّ صرخ بأعلىٰ صوته يا أنصـار الله رأس الكفـر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا. قال عبد الرحمن بن عوف: فأحاطوا بنا حتىٰ جعلونا في مثل المسكة، وأنا أذب عنه، فأخلف رجل السيف، فضرب رجل ابنه فوقع وصاح أمية صيحة ما سمعت مثلها قط، فقلت: انجُ بنفسك ولا نجاء لك، فوالله ما أغني عنك شيئاً. قال: فهبروهما بأسيافهم حتىٰ فرغوا منهما، فكان عبد الرحمن بن عوف يقول: يرحم الله بلالاً، ذهبت أدراعي، وفجعني بأسيري([10]).

 

([1])             أخرجه مسلم (1901)، من حديث أنس رضي الله عنه.

([2])            أخرجه مسلم (1763)، من حديث عمر رضي الله عنه.

([3])            أخرجه أحمد (23778).

([4])            أبيض.

([5])            أخرجه أحمد (948).

([6])            أخرجه البخاري (3141)، ومسلم (1752).

([7])            أخرجه أحمد (3824، 4246، 4248).

([8])            أي خذني أسيراً معك.

([9])            يريد أن من أسره يفتدي هو عن نفسه بـإبل كثـيرة.

([10])          أخرجه البيهقي في «دلائل النبوة» (3/92).