الهجرة إلىٰ الحبشة
12-03-2023
كان من حرص النبي ﷺ علىٰ أصحابه أنه لما رأىٰ كثرة الاضطهاد أمرهم بالهجرة إلىٰ الحبشة، وكان ملك الحبشة حينئذ يقال له: «أصحمة»، وقد ذُكر بالعدل، فقال النبي ﷺ لبعض المسلمين: «إن بأرض الحبشة ملكاً لا يظلم أحد عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه»([1]). وكانت الهجرة الأولىٰ سنة خمس من النبوة فهاجر اثنا عشر رجلاً وأربع نسوة، وكان رئيسهم عثمان بن عفان، ومعه بنت النبي ﷺ رقية رضي الله عنها.
وحدث في تلك السنة في رمضان أن النبي ﷺ خرج إلىٰ الحرم، وهناك جمع كبير من قريش في نواديهم كما هي عادتهم فقام فيهم وأخذ يتلو سورة النجم: ﴿وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ ٱلْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَى﴾ [النجم: 1 ــ 5] هذه السورة بما احتوته من معان وألفاظ عجيبة لم يسمعوا مثلها أبداً، فلما وصل ﷺ إلىٰ هذه الآية: ﴿فَٱسْجُدُوا لِلَّهِ وَٱعْبُدُوا﴾ سجد ﷺ، فلم يتمالك أحد منهم نفسه حتىٰ خروا ساجدين([2]). فكل أهل مكة سجدوا، وذلك أن روعة هذه الآيات أخذت بألبابهم، فظن بعض الناس أنهم آمنوا، وأنهم تابعوا النبي ﷺ، ووصل الخبر إلىٰ أهل الحبشة أن قريشاً كلها دخلت في الإسلام، فرجعوا إلىٰ مكة في السنة نفسها في شوال، فلما وصلوا تبين لهم أن الأمر ليس كذلك، وأن ذلك السجود إنما وقع منهم اعترافاً وإقراراً من داخل نفوسهم بصحة نسبة هذا القرآن إلىٰ الله تبارك وتعالىٰ لا اتباعاً للنبي ﷺ.
([1]) أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (9/9)، وفي «الدلائل» (2/301).