تنفِي الرياحَ القذى عنهُ وأفْرَطَهُ ... من صَوْبِ ساريَةٍ بيضٌ يعاليلُ

 

ويُرْوَى: (تجلو الرياحُ القذى عنهُ)، يعني: أنَّ الرياحَ تكشفُ عنهُ ما يعلوهُ وتُصَفِّيهِ.
قولُهُ: وأفْرَطَهُ يحتملُ وجهَيْنِ؛ أحدُهما: أنْ تكونَ من قوْلِهم: أفْرَطْتُ القربةَ إذا ملأْتُها، وغديرٌ مُفْرطٌ، أيْ: مملوءٌ، قالَ الشاعرُ:

يُرَجِّعُ بينَ خُرْمٍ مُفْرَطَاتٍ صوافٍ كمْ يُكَدِّرُهَا الدِّلاءُ

والخُرْمُ غُدرٌ تنخرمُ بعضُها إلى بعضٍ، أي: تملأُ هذا الأبطحَ من صَوْبِ ساريَةٍ بيضٌ يعاليلُ.
والوجهُ الثاني: أنَّ أفْرَطَهُ بمعنى: تركَهُ، يقالُ: أفرطْتُ القومَ إذا ترَكْتُهم ورَاءَكَ وتقَدَّمْتَهم، ومنهُ قولُ النبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: ((أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ))؛ أي: سابِقُكُم ومتقدِّمُكم. وقولُهُ تعالى: {وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ}؛ أيْ: مؤخَّرُونَ، ومعناهُ أنَّ البيضَ اليعاليلَ تركتْ ماءَ المطرِ في هذا الأبطحِ. ومن هذا المعنى سُمِّيَ الغديرُ غديراً، مِنْ: غادَرَهُ السيلُ؛ [أيْ]: تركَهُ.
والصوبُ: مصدرُ: صابَ الغمامُ، يصوبُ صوباً، والساريَةُ: السحابةُ التي تسري ليلاً.
والغاديَةُ: التي تغْدُو نهاراً.
وقولُهُ: (بيضٌ يعاليلُ)، يعني: سحائبُ بيضاءُ رِوَاءٌ، ومنهُ قولُهم: ثوبٌ يعلولُ، إذا عُلَّ بالصبغِ وأُعِيدَ عليهِ مرَّةً بعدَ أخرى. هذا أحسنُ ما يحتمِلُهُ هذا الموضعُ، وما يُقَالُ في تفسيرِ (يَعَالِيلُ): إنَّها السحائبُ البيضُ [الرِّوَاءُ].