أحكام السهو في الصلاة
08-03-2023
السهو والنسيان يقعان من الإنسان؛ لأن هذا هو مقتضىٰ الطبيعة البشرية، وقد وقع ذلك من الأنبياء ؟م، كما قال الله تعالىٰ عن آدم عليه السلام: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾ [طه].
وقال عن موسىٰ ويوشع عليهما السلام: ﴿فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَٱتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي ٱلْبَحْرِ سَرَبًا﴾ [الكهف].
وقال لنبيه ﷺ: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ ٱللَّهُ﴾ [الأعلىٰ].
وقال كذلك: ﴿وَٱذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيْتَ﴾ [الكهف].
وقال المؤمنون جميعاً: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة: 286].
وذلك أن الذي لا ينسىٰ أبداً هو الله سبحانه وتعالى، قال جلَّ وعلا علىٰ لسان موسىٰ عليه السلام: ﴿قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى﴾ [طه]، وقال كذلك سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ [مريم: 64].
وقد وقع السهو من النبي ﷺ في الصلاة، وذلك لحكمة جليلة، وهي أن يعرف الناس ماذا يفعلون إذا وقع منهم السهو في الصلاة، فمن ذلك: أن النبي ﷺ صلّىٰ يوماً الظهر فنسي التشهد الأول([1])، وصلىٰ يوماً الظهر خمساً([2])، وصلىٰ مرة الظهر أو العصر فسلم من ركعتين فقط([3]).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه؛ أن النبي ﷺ قال: «إنما أنا بشر، أنسىٰ كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني»([4]).
والنسيان الذي يقع من الناس في الصلاة إنما هو من الشيطان، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله ﷺ قال: «إذا قام أحدكم يصلي، جاءه الشيطان، فلبس عليه حتىٰ لا يدري كم صلّىٰ»([5])، ولكن هذا غير وارد عن النبي ﷺ؛ لأنه لا تسلط للشيطان عليه، وإنما ينسيه إليه ليشرع، وقد جاء في الحديث: «وإني لا أنسىٰ، ولكن أُنسّىٰ لأسُنَّ»([6])، وهو وإن كان ضعيفاً إلا أن معناه صحيح.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي ﷺ قال: «إذا نودي بالأذان أدبر الشيطان له ضراط حتىٰ لا يسمع الأذان، فإذا قضي الأذان أقبل، فإذا ثُوب بها([7]) أدبر، فإذا قضي التثويب أقبل يخطر بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا لما لم يكن يذكر، حتىٰ يظل الرجل إن يدري([8]) كم صلّىٰ»([9]).
وقد روي أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه جاءه يهودي فقال له: نحن أهدىٰ منكم. قال: بم؟ قال: تسهون في صلاتكم ولا نسهو. قال ابن مسعود: وما يفعل الشيطان في البيت الخرب.
وهذا يدل علىٰ فطنة عبد الله بن مسعود، فهو يقول لليهودي: أنتم انتهىٰ الشيطان منكم، فلماذا يأتي ويخرب عليكم صلاتكم؟! هي فاسدة أصلاً، وإنما يذهب الشيطان لمن صلاته صحيحة؛ حتىٰ يفسد عليه عمله، ولذلك قال: وما يفعل الشيطان في البيت الخرب؟!
أقسام السهو
السهو في الصلاة إما في مستحب أو واجب أو ركن، وإما أن يكون في نقص أو زيادة أو شك.
فأما المستحب؛ فإذا سهىٰ المصلي عن مستحب فالسجود مستحب؛ لحديث ثوبان رضي الله عنه؛ أن النبي ﷺ قال: «لكل سهو سجدتان»([10]).
وأما إن سهىٰ عن واجب فالسجود واجب، ويجبر السجودُ النقصَ الذي وقع في صلاته، فمن نسي التشهد الأول وقام حتىٰ اعتدل ظهره؛ فإنه لا يرجع للتشهد، وإنما يسجد للسهو في نهاية الصلاة، وهذا السجود يكون جابراً للتشهد؛ أي: يكون بدلاً عن التشهد الذي نسيه.
وإن سهىٰ عن ركن فالسجود كذلك واجب، ولكن لا بد أن يأتي بالركن الذي نسيه، فمن نسي سجدة فلا بد له أن يأتي بالسجدة، ثم يسجد للسهو، ومن نسي ركعة فلا بد أن يأتي بالركعة.
وأما إذا كان السهو في زيادة أو نقص أو شك:
ففي الزيادة لا شيء عليه سوىٰ أن يسجد للسهو؛ كمن صلّىٰ العصر خمس ركعات، فهذا يقرأ التشهد ويسلم، ثم يسجد للسهو ثم يسلم مرة ثانية.
وأما النقصان؛ فإن كان الناقص ركناً؛ فإنه يجب عليه أن يأتي به، ولا يجبره سجود السهو، بل يأتي به ويسجد كذلك للسهو.
وأما الشك؛ فإنه يبني علىٰ غلبة الظن، وإن لم يكن عنده غلبة ظن فإنه يبني علىٰ النقص وهو الأقل، ثم يسجد سجدتين للسهو.
موقع السجدتين:
يجوز أن يأتي بهما قبل السلام أو بعده، وإذا أتىٰ بالسجدتين بعد السلام فإنه يسلم بعدهما مباشرة بدون التشهد.
والأفضل ــ والعلم عند الله ــ أنه إذا كان عن نقصان كركعة أو أكثر سجد قبل السلام، وأما إن كان عن زيادة فبعد السلام، وإن كان عن غلبة ظن فإنه يكون قبل السلام.
وليس لسجود السهو ذكر معين، بل يسبح ويدعو.
([1]) أخرجه البخاري (1224)، ومسلم (570).
([2]) أخرجه البخاري (404)، ومسلم (572).
([3]) أخرجه البخاري (187)، ومسلم (503).
([4]) أخرجه البخاري (401)، ومسلم (572).
([5]) أخرجه البخاري (1232)، ومسلم (389).
([6]) أخرجه مالك بلاغاً في «الموطأ» (331).