مشارب مختلفة
07-03-2023
قال الطوسي ــ المعروف بـ(شيخ الطائفة) ــ: «ذاكرني بعض الأصدقاء أيده الله ممن أوجب حقه علينا، بأحاديث أصحابنا أيدهم الله ورحم السلف منهم، وما وقع فيها من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد، حتى لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده، ولا يسلم حديث إلا وفي مقابلته ما ينافيه، حتى جعل مخالفونا ذلك من أعظم الطعون على مذهبنا، وتطرقوا بذلك إلى إبطال معتقدنا»([1]).
وقد أقرَّ الطوسي بأن ذلك كان سبباً في نفور الناس منه فذكر عن شيخه أبي الحسن الهاروني العلوي أنه: «كان يعتقد مذهب الشيعة، ويدين بطريقة الإمامية، فرجع لما التبس عليه الأمر في اختلاف الأحاديث، وترك المذهب ودان بغيره»([2]).
وقد اختلفت الإمامية في الفروع الفقهية في أكثر من ألف مسألة، مع وجود النص فيها عن أئمتهم في أكثرها، مثل الخلاف في طهارة الخمر ونجاستها، وقد بلغ من خطورة هذا الأمر أن الإمام يفتي بشيء، فترد عليه فتواه، ولا يقبل منه قوله، بدعوى أنه تقية.
كما وقع لأحدهم وهو شعيب العقرقوفي الذي سمع الإمام الصادق عليه السلام ينهى عن أكل ذبائح أهل الكتاب، قال شعيب: «فلما خرجنا من عنده، قال لي أبو بصير: كُلْها فقد سمعته وأباه جميعاً يأمران بأكلها، ثم سأل الإمام عن ذلك، فقال: لا تأكلها، قال شعيب: فقال لي أبو بصير: كُلْها وفي عنقي، فسأل الإمام ثانية، فقال: لا تأكلها، فقال أبو بصير: سله ثالثة، قال شعيب: فقلت: لا أسأله بعد مرتين»([3]).
وأبو بصير هذا من أكابر رواتهم.
فهذا حال الإمام المعصوم الذي لا تجوز مخالفته، والراد عليه كالراد على الله تعالى، بعد أن أفسدت عليه التقية صدقه، وجعلت أتباعه يصدون عن قوله، ويردون فتواه في وجهه.
فأين كلام الإمام الذي هو حجة على الخلق، هل هو ذا أم ذا!!! وأي القولين تقية!؟
فلا تجد رواية عن جعفر إلا وتجد ما يضادها مما يؤكد أن الذين ينسبون له تلك الروايات لهم مشارب مختلفة.
يقول الطوسي «فإن قيل: لو كان الأمر على ما ذكرتموه من النص لما زوَّج أمير المؤمنين عليه السلام بنته من عمر، وفي تزويجه إياها دليل على أن الحال بينهم كانت عامرة بخلاف ما تدعونه، ويدعي كثير منكم أن دافعه كافر. قلنا: في أصحابنا من أنكر هذا التزويج، وفيهم من أجازه وقال: فعل ذلك لعلمه بأنه يقتل دونها، والصحيح غير ذلك وأنه زوَّجها منه تقية»([4]).
وقال الفيض الكاشاني: «في الجرح والتعديل وشرايطهما اختلافات وتناقضات واشتباهات لا تكاد ترتفع بما تطمئن إليه النفوس كما لا يخفى على الخبير بها»([5]).
([2]) «ذبائح أهل الكتاب» المفيد (ص9، 10)، وراجع أمثلة من ذلك في «بحار الأنوار» (63/15).