في مخالفتهم الرشاد
07-03-2023
من عقيدة الشيعة: مخالفة أهل السُّنَّة، ويسمونهم (العامة) مقابل الخاصة؛ يعني: المنتسبين للشيعة.
نقل البحراني هذه الرواية، فقال: «قلت: فإن كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟ قال: ينظر، فما وافق حكمه حكم الكتاب والسُّنَّة، وخالف العامة فيؤخذ به، ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسُّنَّة ووافق العامة، قلت: جعلت فداك أرأيت إن الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسُّنَّة، ووجدا أحد الخبرين موافقاً للعامة، والآخر مخالفاً لهم، بأي الخبرين يؤخذ؟ قال: ما خالف العامة ففيه الرشاد. قلت: جعلت فداك فإن وافقهم الخبران جميعاً؟ قال: ينظر إلى ما هم إليه أميل حكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر»([1]).
وذكر البحراني أيضاً هذه الرواية: «فقلت: أنهما معاً عدلان مرضيان موثقان؟ فقال (أي: الباقر): انظر ما وافق منهما العامة فاتركه وخذ ما خالفه، فإن الحق فيما خالفهم».
قال البحراني عن عبد الرحمـٰـن بن أبي عبد الله قال: «فإن لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامة، فما وافق أخبارهم فذروه، وما خالف أخبارهم فخذوه»([2]).
وذكر الكليني أن من وجوه التمييز عند اختلاف رواياتهم قول إمامهم: «دعوا ما وافق القوم فإن الرشد في خلافهم»([3]).
ورووا عن أبي عبد الله جعفر الصادق: «إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما يخالف القوم»([4]).
وعن الحسن بن الجهم قال: قلت للعبد الصالح (هذا اللقب المراد به الإمام) صلى الله عليه وآله وسلم: «هل يسعنا فيما ورد علينا منكم إلا التسليم لكم؟ فقال: لا والله لا يسعكم إلا التسليم لنا، فقلت: فيروى عن أبي عبد الله شيء، ويروى عنه خلافه فأيهما نأخذ؟ فقال: خذ بما خالف القوم (إشارة لأهل السُّنَّة)، وما وافق القوم فاجتنبه»([5]).
ويعللون الأخذ بهذا المبدأ بما يرويه أبو بصير عن أبي عبد الله قال: «ما أنتم والله على شيء مما هم فيه، ولا هم على شيء مما أنتم فيه، فخالفوهم فما هم من الحنيفية على شيء»([6]).
عن علي بن أسباط قال: قلت للرضا صلى الله عليه وآله وسلم: «يحدث الأمر لا أجد بدّاً من معرفته، وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك، قال: ائت فقيه البلد، فاستفته عن أمرك، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه، فإن الحق فيه»([7]).
قال الخميني: «ولا يخفى وضوح دلائل هذه الأخبار على أن مخالفة العامة مرجحة في الخبرين المتعارضين مع اعتبار سند بعضها بل صحة بعضها على الظاهر، واشتهار مضمونها بين الأصحاب، بل هذا المرجح وهو المتداول العام الشائع في جميع أبواب الفقه وألسنة الفقهاء»([8]).
ويجعل الخميني هذا الأمر من لوازم الترجيح في الأخبار فقال: «إن أخبارهم الآمرة بالأخذ بخلاف العامة.. كقوله: «ما خالف العامة ففيه الرشاد».. وقوله: «دعوا ما وافق القوم فإن الرشد في خلافهم» هي من أصول الترجيح، وليس الترجيح بها بمحض التعبد، بل «لكون المخالفة لهم طريقاً إلى الواقع، والرشد في مخالفتهم»([9]).
والمقصود بالعامة الذين زعموا أن الإمام الصادق أمر بالأخذ بما يخالفهم هم أهل السُّنَّة كما صرَّح بهذا محسن الأمين، فقال ما نصه: «الخاصة وهذا يطلقه أصحابنا على أنفسنا مقابل العامة الذين يسمونهم بأهل السُّنَّة»([10]).
وهكذا إخواني، فإن من الأمور المسلَّم بها عند الشيعة وجوب مخالفة أهل السُّنَّة في الأخبار فضلاً عن العقائد، حتى إن مقياس صحة أي خبر عند الشيعة لا بد أن يكون خلاف ما عليه أهل السُّنَّة، فما رأيكم وفقكم الباري؟!
ذكر الخميني «عن أبي إسحاق الأرجاني رفعه قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أتدري: لم أمرتم بخلاف ما تقول العامة؟ قلت: لا أدري.
قال: إنّ عليّاً لم يكن يدين لله بدين إلا خالف عليه الأمة إلى غيره إرادة لإبطال أمره، وكانوا يسألون أمير المؤمنين عن الشيء لا يعلمون عنه، فإذا أفتاهم جعلوا له ضداً من عندهم ليلبسوا على الناس»([11]).
([1]) «الحدائق الناضرة» (1/94 ــ 95).
([2]) «أصول الكافي»، وانظر: «وسائل الشيعة» (26/103)، وعنه في «بحار الأنوار» (2/235).
([3]) «وسائل الشيعة» (26/103)، وعنه في «البحار» (2/235).
([4]) «وسائل الشيعة» (26/103)، وعنه في البحار (2/235).
([5]) «وسائل الشيعة» (26/103)، انظر: «الفصول المهمة» (ص325، 326).
([6]) «عـلل الشرائع» لابن بابويه (ص531)، «تهذيب الأحكام» للطـوسي (6/295)، «وسائل الشيعة» (26/103) و«بحار الأنوار» (2/233).
([8]) انظر: «رسالة التعادل والترجيح» (ص71).
([9]) في كتاب «أعيان الشيعة» (1/21).
([10]) «التعادل والترجيح» للخميني (ص82).
([11]) «من لا يحضره الفقيه» (3/366)، «تفسير منهج الصادقين» (2/495).