فدك، وما أدراكم ما فدك؟
07-03-2023
دائماً نسمع وتسمعون من علماء الشيعة، وخطبائهم، بل ونقرأ في كتبهم الطعن في أبي بكر بسبب منعه فاطمة من الميراث([1]) فهل تعيرونني قلوبكم؛ لأبين أموراً مهمة في هذا الموضوع، وهي عبارة عن مجموعة من التساؤلات:
إذا كان الرسول قال لأبي بكر: «لا نورث»([2])، وجاءت فاطمة تطالب بالميراث، فبالله عليكم ماذا على أبي بكر أن يفعل؟ بل أنتم ماذا ستفعلون لو كنتم مكان أبي بكر؟.
والله إني لمشفق عليه من ذلك الموقف بين أمر النبي ﷺ، وطلب سيدة نساء العالمين، ولم يقدم أبو بكر على طاعة الرسول ﷺ أحداً، ولو كانت بضعته الطاهرة فاطمة.
دعونا نفترض ــ ولو جدلاً ــ أن لفاطمة ميراثاً، وأن أبا بكر ظلمها ألا تعلمون جميعاً أن فاطمة توفيت في خلافة أبي بكر، وميراثها يتحول تلقائياً إلى ورثتها، وهم: علي، وأولادها، ويكون تقسيم الميراث كالأتي: لعلي الربع، وللأولاد الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب الباقي، للذكر مثل حظ الأنثيين، وجاءت بعد أبي بكر خلافة عمر، وهو كذلك لم يعط ميراث فاطمة لورثتها، فيكون ظالماً كذلك.
وبعد عمر جاءت خلافة عثمان، وهو كذلك لم يعطِ ورثة فاطمة ميراثهم، ويستمر الظلم، ولكن هل تعلمون ــ وفقني الله وإياكم إلى ما يحب ويرضى ــ أن بعد عثمان استخلف علي، وهو أيضاً لم يعطِ ورثة فاطمة حقهم، ويستمر الظلم، وبعد علي استخلف الحسن ويستمر الظلم؛ فهل تقبلون هذا؟ أو تقولون كما يقول أهل السُّنَّة: إنه لم يكن لفاطمة ميراث، وبالتالي لم يُظْلَم أحد، ولم يَظْلِم أحد.
ثم الصحيح في ذلك أنها كانت وقفاً لما كان يحتاجه النبي ﷺ لنفسه، وأزواجه وآل بيته.
وكان أبو بكر يديرها بعد وفاة النبي، ثم عمر في خلافته حتى أعطاها علياً ليديرها، وظلت في يد علي قرابة من عشرين سنة أو يزيد حتى توفي، فاستلمها الحسن وظلت في يده حتى توفي، فأخذها الحسين حتى توفي، فكانت بعد ذلك بيد الحسن بن الحسن المشهور بالحسن المثنى، وعلي بن الحسين المشهور بزين العابدين، ثم صارت بعد وفاتيهما بيد زيد بن الحسن بن الحسن([3]).
ماهية الخلاف:
لا يعدو الخلاف بين الصديق والزهراء عن كونه خلافاً فقهياً، أو قُلْ في وجهات النظر، وكل قال كلمته حسب علمه، وكانا صادقين فيما قالا، ولم يكن يستحق الأمر ما آل إليه الحال لو كانت النوايا سليمة.
يقول علي الشهرستاني ــ شيعي معاصر ــ: «إنّ أوّل اختلاف فقهيّ حصل بعد وفاة الرسول الأكرم ﷺ، كان الاختلاف بين فاطمة الزهراء بنت رسول الله، وبين الخليفة أبي بكر، ذلك الاختلاف الذي أثار ضجّة كبيرة بقيت آثارها حتّى اليوم»([4]).
فإذا كان هذا اعتراف الشيعة فلماذا التباكي، وإثارة الموضوع في صورة الغصب والظلم، والمأساة... إلخ هذه الدعاوى الزائفة، ألا يدل هذا على تبييت النية لاصطناع الشقاق بين الأمة لكن كما يقال: أسمع عجناً، ولا أرى طحناً.
قال ابن أبي الحديد: «وهل كانت فدك إلا نخلاً يسيراً، وعقاراً ليس بذلك الخطير»([5]).
وقد انقطع الكلام في مسألة فدك بعد هذا المجلس الذي طالبت فيه الزهراء بميراثها، ذكر ذلك ابن أبي الحديد([6]) قال: «الصحيح أن أمير المؤمنين عليه السلام لم ينازع بعد موت فاطمة في الميراث، وإنما نازع في الولاية لفدك، وغيرها من صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم».
([1]) الطعون في الصديق على ألوان، منها: تفرده بالرواية، ومخالفته للقرآن، وقال الطوسي في «تلخيص الشافي» (3/137، 138): «إنّ هذا الخبر خبر واحد، لم يروه إلّا أبو بكر، وخبر الواحد لا يجوز قبوله عندنا في موضع من المواضع، ولو قبلناه لما قبلناه في تخصيص القرآن وترك عمومه».
وانظر لقصة فدك وافتراءاتهم على الصديق والفاروق من الكتب المعتمدة: «الإيضاح» (ص516) للفضـل بن شـاذان الأزدي، «الاستغاثة» للكوفـي (1/14)، «شرح نهج البلاغة» لابن أبي الحديد (16/210، 249، 252)، «كشف الغمة» للإربلي (1/479)، و«بحار الأنوار» للمجلسي (29/227)، و«أعلام النساء» لابن طيفور (4/116)، و«دلائل الإمامة» للطـبري الشـيعي (ص30 ــ 39)، و«الاحتجاج» للطـبرسي (1/268)، وكتاب «الشافي» للمرتضـي (4/75)، ومن المعاصرين: علي الشهرستاني في «منع تدوين السنّة الشريفة» (ص425)، ولطف الله الصافي في «مجموعة الرسائل» (1/92). وإمعاناً في ترسيخ العداوة في أجيال الشيعة
جعلوا ذلك في أدعيتهم، ومنها ما رووا في «المزار الكبير» (ص506)، و«مصباح الزائر» (ص478، 479).
وفي «بحار الأنوار» (102/180)، عن الإمام أبي الحسن علي بن محمد الهادي عليه السلام: «اللّهمّ وصلّ على البتول الزّهراء، ابنة الرسول، أُمّ الأئمّة الهادين، سيّدة نساء العالمين، وارثة خير الأنبياء، وقرينة خير الأوصياء، القادمة عليك متألّمة من مصابها بأبيها، متظلّمة ممّا حلّ بها من غاصبيها، ساخطة على أمّة لم ترع حقّك في نصرتها، بدليل دفنها ليلاً في حفرتها، المغتصبة حقّها، والمغصصة بريقها.. صلاةً لا غاية لأمدها، ولا نهاية لمددها، ولا انقضاء لعددها».
([2]) أخرجه البخاري (2926)، ومسلم (1758)، وغيرهما.
([3]) ويروي ابن الميثم في «شرح نهج البلاغة» (5/107)، والدنبلي في «الدرة النجفية» (ص332)، وابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة» (4/84) «أن أبا بكر كان يأخذ غلتها (أي: فدك) فيدفع إليهم (أهل البيت) منها ما يكفيهم، ويقسم الباقي، فكان عمر كذلك، ثم كان عثمان كذلك، ثم كان علي كذلك». لذا يحق للعاقل أن يتسائل أين المشكلة إذاً؟!
([4]) «منع تدوين السُّنَّة» (ص424).