أخي أُخَيَّتي:

وفقني الله وإياكم إلى سبيل الرشاد:

هل قرأتم أو سمعتم جريمة أعظم من جريمة التتار في بلاد الإسلام خصوصاً بغداد حيث قُتِلَ فيها قريب من مليون ونصف مليون مسلم؟([1]).

هل خطر في بالكم أنه يمكن لمسلم بل إنسان ــ ولو لم يكن مسلماً ــ أن يثني على فعل التتار؟

إنهم ــ وللأسف ــ علماء الشيعة الكبار.

فهذا الخونساري([2]) يقول في ترجمة نصير الدين الطوسي([3]): «هو المحقق المتكلم الحكيم المتبحر الجليل» إلى أن قال: «ومن جملة أمره المشهور المعروف المنقول، حكاية استيزاره للسلطان المحتشم في محروسة إيران، هولاكو خان بن تولي جنكيز خان، من عظماء سلاطين التتارية، وأتراك المغول، ومجيئه في موكب السلطان المؤيد، مع كمال الاستعداد، إلى دار السلام بغداد، لإرشاد العباد وإصلاح البلاد، وقطع دابر سلسلة البغي والفساد، وإخماد دائرة الجور والإلباس، بإبداد ملك بني العباس، وإيقاع القتل العام في أتباع أولئك الطغام، إلى أن سال من دمائهم الأقذار، كأمثال الأنهار، فانهار بها في ماء دجلة، ومنها إلى نار جهنم دار البوار، ومحل الأشقياء والأشرار».

ويقول الخميني([4]): «وإذا كانت ظروف التقية تلزم أحداً منا بالدخول في ركب السلاطين فهنا يجب الامتناع عن ذلك حتى لو أدى الامتناع إلى قتله إلا أن يكون في دخوله الشكلي نصر حقيقي للإسلام والمسلمين مثل علي بن يقطين، ونصير الدين الطوسي».

ويقول أيضاً: «ويشعر الناس بخسارة أيضاً بفقدان الخواجه نصير الدين الطوسي، وأضرابه ممن قدموا خدمات جليلة للإسلام»([5]).

ولم يكن ابن العلقمي، والطوسي وحدهما المتواطئين من الشيعة مع الغزاة، فهذا واحد من علمائهم يكاتب هولاكو ويصالحه، ويأخذ منه فرماناً بالأمان، فتروي كتبهم أنه: «لما وصل السلطان هولاكو إلى بغداد قبل أن يفتحها هرب أكثر أهل الحلة إلى البطائح إلا القليل، فكان من جملة القليل والدي رحمه الله ــ هو العلامة الحلي ــ، والسيد مجد الدين ابن طاووس، والفقيه ابن أبي العز، فأجمع رأيهم على مكاتبة السلطان بأنهم مطيعون داخلون تحت إيالته، وأنفذوا به شخصاً أعجمياً، فأنفذ السلطان إليهم فرماناً مع شخصين أحدهما يقال له: فلكة، والآخر يقال له: علاء الدين، وقال لهما: قولا لهم: إن كانت قلوبكم كما وردت به كتبكم تحضرون إلينا، فخافوا لعدم معرفتهم بما ينتهي إليه الحال، فقال والدي رحمه الله: إن جئت وحدي كفى؟ فقالا: نعم، فصعد معهما فلما حضر بين يديه، قال له: كيف قدمتم على مكاتبتي، والحضور عندي قبل أن تعلموا؟ وبما ينتهي إليه أمري وأمر صاحبكم؟ وكيف تأمنون إن صالحني ورحلت عنه؟ فطيَّب قلوبهم، وكتب لهم فرماناً باسم والدي رحمه الله يطيِّب قلوب أهل الحلة وأعمالها»([6]).

 

([1])     انظـر: «البداية والنهاية» لابن كثير (13/235).

             وانظر للمزيد حول خيانة هذا الوزير نصير الدين الطوسي: «ذيل مرآة الزمان» (1/85 ــ 89)، «دول الإسلام» (2/118)، و«فوات الوفيات» (2/313)، «طبقات الشافعية» للسبكي (5/110)، و«مجموع الفتاوى» (28/478، 479)، وجاء فيها: «وكان قتلى ببغداد كما تقول المصادر المعتدلة 800 ألف مسلم ومسلمة».
   وقال ابن تيمية: «وقد قتلوا من المسلمين ما يقال إنه بضعة عشر ألف ألف إنسان أو أكثر أو أقل، ولم يُرَ في الإسلام ملحمة مثل ملحمة الترك الكفار المسمين بالتتر، وقتلوا الهاشميين، وسبوا نساءهم من العباسيين وغير العباسيين، فهل يكون موالياً لآل رسول الله ﷺ من يسلط الكفار على قتلهم وسبيهم وعلى سائر المسلمين» «منهاج السُّنَّة» (3/38).

([2])    «روضات الجنات» (1/300 ــ 301)، وانظر أيضاً في ثنائهم على النصير الطوسي: «مستدرك الوسائل» للنوري الطبرسي (3/483)، «الكنى والألقاب» للقمي (1/356). بينما يقول ابن القيم رحمه الله في «إغاثة اللهفان» (2/263): «ولما انتهت النوبة إلى نصير الشرك والكفر الملحد وزير الملاحدة النصير الطوسي وزير هولاكو شفا نفسه من أتباع الرسول وأهل دينه، فعرضهم على السيف حتى شفا إخوانه من الملاحدة واشتفى هو فقتل الخليفة والقضاة والفقهاء والمحدثين واستبقى الفلاسفة والمنجمين، والطبائعيين والسحرة، ونقل أوقاف المدارس والمساجد والربط إليهم وجعلهم خاصته وأولياءه، ونصر في كتبه قدم العالم وبطلان المعاد، وإنكار صفة الرب ﷻ من علمه وقدرته، وحياته وسمعه وبصره، وأنه لا داخل العالم ولا خارجه، وليس فوق العرش إلـٰـه يعبد البتة».

([3])    كان وزيراً خائناً للخليفة المعتصم، وله اليد الطولى في تسهيل مهمة التتار هو وابن العلقمي.

([4])    في كتابه المعروف «الحكومة الإسلامية» (ص142).

([5])    «الحكومة الإسلامية» (ص128).

([6])    «إيضاح الاشتباه» للحلي (ص41)، و«سفينة النجاة» لعباس القمي (1/568).