الإمــــامــة
07-03-2023
لا يخفى عليكم ما لموضوع الإمامة من أهمية عظيمة عند علماؤكم، بل جعل علماؤكم موضوعَ الإمامة شرطاً في صحة الإيمان، وأصلاً من أصول الدين، قال محمد رضا المظفر: «الإمامة أصل من أصول الدين»([1])، وقال المفيد: «واتفقت الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد الأئمة، وجحد ما أوجبه الله تعالى من فرض الطاعة، فهو كافر مضل مستحق للخلود في النار»([2]).
فإذا كانت الإمامة بهذه المنزلة، فهلّا سألتم أنفسكم لِم لَمْ تُذْكر في القرآن مع أن الله أخبر أن هذا القرآن أنزله تبياناً، وهدىً، ومفصلاً؟!!
فقد ذكر الله الصلاة والصيام والزكاة والحج، وذكر أحكام الجهاد والمواريث، والطلاق والرضاع ومكارم الأخلاق، وأطول آية في القرآن هي آية الدين، وأموراً كثيرة يطول ذكرها.
فأين الإمامة؟ وأين أسماء الأئمة؟ خاصةً وقد جاءت روايات كثيرة في كتب الشيعة أن الإمامة أهم من الصلاة والزكاة والحج والصيام.
بل العجيب أن الله تبارك وتعالى ذكر اسم زيد بن حارثة([3])، وهو أحد أصحاب النبي، ولم يذكر اسم علي مع أن القرآن ما ترك شيئاً مهماً إلا نص عليه فكيف بأهم شيء؟!
قال تعالى: ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَابَ مُفَصَّلًا﴾ [الأنعَام: 114].
وقال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ [النّحل: 89].
وقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [يُونس: 57].
ومع هذا كله يقول ابن مطهر الحلي: «خلق الإمام وتمكينه بالقدرة والنص عليه باسمه واجب على الله»([4]).
وقال وحيد خراساني: «إن أصول المعارف الدينية لا يصح أن تؤخذ ونتلقاها من أي أحد، وإن مبدأها والمراجعة فيها هما اثنان لا غير: القرآن والحديث، وإنما تنشأ الانحرافات عندما نأخذ من غير هذين المصدرين، فإن أصل القضايا يؤخذ من القرآن الكريم، ويؤخذ الفرع من الروايات»([5]).
وهذا غريب، ويدل على أنه لا بد أن يذكر الأئمة في القرآن بأسمائهم، والآن نرى ما رتبوه في هذه المسألة.
قالوا: اللطف واجب على الله ــ وتسمية الإمام لطف ــ ولا بد أن يذكر في القرآن.
وواقع الأمر أننا لم نجد شيئاً من ذلك في كتاب الله، فاضطرب علماء الشيعة كثيراً، وذهبوا إلى فريقين مشهورين:
الأول: اللطف واجب على الله، وتسمية الإمام لطف، وقد ذكر اسمه في القرآن، ولكن الصحابة حرفوا القرآن، وحذفوا اسم علي.
وهذا قول أكثر علماء الشيعة، بل منهم من نقل الإجماع على ذلك، وأنه من ضروريات المذهب حتى تستقر القاعدة التي قعَّدوها([6]).
الثاني: اللطف واجب على الله، وتسمية الإمام لطف، ولكن لم يذكر اسمه في القرآن حتى لا يحرف القرآن، وفي تحريفه مفسدة عظيمة.
قال الخميني: «لو كانت مسألة الإمامة قد تم تثبيتها في القرآن؛ فإن أولئك الذين لا يعنون بالإسلام والقرآن إلا لأغراض الدنيا والرئاسة، كانوا يتخذون من القرآن وسيلة لتنفيذ أغراضهم المشبوهة، ويحذفون تلك الآيات من صفحاته»([7]).
وهذا كلام باطل لأمور:
1 ــ تُرى هل نسي الخميني أن الله تعهد بحفظ القرآن، وأن القرآن صالح لكل زمان ومكان، ولكل أحد.
2 ــ يقول علماء الشيعة: إن الإمامة لطف، ووجود الإمام لطف، ومع هذا يقولون: إن جميع الأئمة تقريباً ماتوا مقتولين، أو مسمومين، فلماذا أوجدهم الله مع وجود مفسدة في قتلهم؟
فإذا قبلنا هذا؛ فليذكر اسم الإمام في القرآن مع وجود مفسدة التحريف.
3 ــ مفسدة وقوع التحريف وَهْمِيَّة، وأما مفسدة الضَّرر على الإمام فهي واقع ملموس، وقد وقع هذا لهم جميعاً واحداً تلو الآخر على زعمهم([8]).
فإذا أرادوا الخروج من هذه المعضلة فيلزمهم واحد من أمور:
1 ــ أن يقولوا: إن النص على الإمام بوصفه، واسمه ليس لطفاً.
2 ــ أن اللطف غير واجب على الله.
3 ــ هو لطف، ولكن توجد مفسدة تمنع من إيجاده.
وحقيقة الأمر أنه لا يوجد في القرآن نص واحد صريح في اسم الإمام، أو النص عليه، وإنما يستدلون بالروايات التي تفسر القرآن، فإذا كان الأمر كذلك فيكون الاستدلال بالسُّنَّة لا بالقرآن.
قد يقول قائل، ويسأل سائل: إذا كان القرآن يثني على الصحابة كما تقولون وكذا السُّنَّة، والتاريخ المشرف المشهور من حرب المرتدين، ونشر الإسلام، وفتح البلاد، وما اشتهر عنهم من الزهد والورع وغير ذلك مما يطول ذكره، فلماذا إذاً يُصِرُّ علماء الشيعة على اتهامهم؟ ألا يمكن أن تكون عندهم أسباب من أجلها قالوا ذلك؟
قلت: هذا سؤال وجيه، وإجابته أوجه، وهي قديمة أجاب بها الإمام أبو زرعة الرازي في القرن الثالث الهجري، قال رحمه الله([9]): «إذا رأيت الرجل يطعن في أصحاب رسول الله فاعلم أنه زنديق، وذلك أن القرآن عندنا حق، والسنن عندنا حق، وإنما نقل لنا القرآن والسنن أصحاب محمد، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسُّنَّة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة».
إن أهل السُّنَّة محسودون، ومصداق هذا قوله تعالى: ﴿ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً﴾ [النِّسَاء: 89].
نعم الشيعة لا يملكون إسناداً واحداً للقرآن بينما أهل السُّنَّة ينقلونه بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
والشيعة كذلك يعجزون عن أن يرووا حديثاً واحداً بإسناد متصل صحيح إلى النبي ﷺ([10]) بينما أهل السُّنَّة يروون آلاف الأحاديث الصحيحة المتصلة إلى النبي ﷺ.
فالصحابة هم رواة القرآن، وهم رواة السُّنَّة.
([1]) «عقائد الإمامية» (ص102).
([3]) في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَي لَا يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولًا﴾ .
([6]) انظر قولهم في تحريف القرآن في: الوقفة الثانية من هذا الكتاب (ص16، 17).
([8]) وهذا كذب وزور واستدرار للعواطف.
([9]) أخرجهـا الخـطيـب البغـدادي في «الكفـاية» (ص49)، وابن عساكر فـي «تاريخ دمشـق» (38/32)، والمزي في «تهذيب الكمال» (19/96) وذكرها ابن حجر الهيتمي في «الصواعق المحرقة» (2/608).
([10]) حيث اعترفوا بكون رواياتهم وجادة بسبب، فقد جاء في «أصول الكافي» (1/53) ما يفيد أن كتب الحديث عندهم كانت موضع التداول السري بينهم، ولهذا لم تكن متصلة السند بسبب ظروف التقية كما يدعون. يقول نص «الكافي»: «إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله ؟ش وكانت التقية شديدة فكتموا كتبهم ولم ترو عنهم، فلما ماتوا صارت الكتب إلينا. (قال أحد أئمتهم): حدثوا بها فإنها حق». وفي «الوسائل»: «وعند ذلك واجه أصحابنا تعيير قوم من مخالفينا «أنه لا سلف لكم ولا مصنف»، كما نص عليه النجاشي في الديباجة. «رجال النجاشي» رقم (253).