أخي أُخَيَّتي:

لقد صور علماء الشيعة وخطباؤهم للناس أنه لم يلتفَّ حول نبينا محمد ﷺ إلا مجموعة من المنافقين، والكذابين الذين وافقوه في الظاهر من أجل الدنيا، وخالفوه في الباطن لنفاقهم([1])، وصوروا للناس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان مبغضاً لهم كارهاً صحبتهم خائفاً أن يصدع بالأمر الحق بين أظهرهم في بيان شأن علي، وأنه الوصي بعده، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يلعنهم ليلاً، ونهاراً، وأن القرآن كان ينزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلعنهم، فهم المجرمون في القرآن، وهم المنافقون، وهم الكافرون، والفاسقون، بل هم الفحشاء والمنكر والبغي، وما جاء ذم في القرآن إلا ويعنيهم، ولا لعنة إلا وتقصدهم.

هكذا صوروا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأسوء صورة، مصانعاً، مخادعاً، ساكتاً عن الظلم والضيم، بل عن الإجرام والكفر.

أتدرون ــ وفقني الله وإياكم إلى ما يحب ويرضى ــ من هم أولئك الأصحاب؟! إنهم الذين تابعوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما كان وحيداً، وبذلوا في نصرته ونصرة الإسلام أنفسهم، وأموالهم، وحاربوا أقرب الناس إليهم لإعلاء كلمة الله، وتسابقوا في كل مجالات الخير حتى أعلن الله رضاه عنهم، ومدحهم في كتابه بصريح العبارة، فقال جلَّ وعلا في شأنهم: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الفتح: 29].

تأملوا حفظكم الله قوله جلَّ وعلا: ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾ إن الله يتحدث عما في قلوبهم، وتأملوا قوله تعالى: ﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ﴾ ، فالكفار هم الذين يغتاظون منهم ويكرهونهم، فاحذروا هدانا الله وإياكم إلى الصراط المستقيم أن تكونوا ممن يكرههم.

وقال تعالى:  ﴿لَقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الفَتْح: 18].

تأملوا قوله: ﴿فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ أي من الإيمان والتقوى والصدق والمحبة، ولذلك جاءت تلك النتيجة ﴿فَأَنْزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ .

سبحان الله!! ألسنا نقرأ قول الله تبارك وتعالى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ ٱلْمُهَاجِرِينَ ٱلَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ﴾ [الحَشر: 8].

مَنْ هؤلاء غير المهاجرين، وعلى رأسهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمٰن ابن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وعمار بن ياسر، وسلمان الفارسي، وصهيب الرومي، وأبو ذر، رضي الله عنهم أجمعين.

وقال تعالى بعدها: ﴿وَٱلَّذِينَ تَبَوَّؤُوا ٱلدَّارَ وَٱلْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: 9].

قولوا بربكم مَنْ هؤلاء غير الأنصار، وعلى رأسهم: سعد بن عبادة، وسعد بن معاذ، ومعاذ بن جبل، وأُبَيُّ بن كعب، وعبادة بن الصامت، وعمرو بن الجموح، وأسيد ابن حضير؟

ثم قال تعالى بعد هاتين الآيتين: ﴿وَٱلَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر: 10].

ترى هل نحن من هؤلاء؟ نعم، نحن منهم إذا قلنا كما أمرنا ربنا: ﴿رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلْإِيمَانِ﴾ ، ولم يكن في قلوبنا غل لهم، سبحان الله، ثم سبحان الله، ثم سبحان الله!!

كيف لا يكون في قلوب الشيعة غل للمهاجرين والأنصار، وهم لا يسمعون عنهم إلا الذم والسب من علمائهم وخطبائهم؟ فهل أنتم كذلك؟ إياكم ثم إياكم.

هل يعقل أن هؤلاء الذين مدحهم الله كل هذا المديح ارتدوا على أدبارهم إلا النادر منهم كما جاء في «الكافي» مثلاً: «كان الناس كلهم أصحاب ردة بعد رسول الله إلا ثلاثة، قيل للباقر: من هم؟ قال: المقداد وأبو ذر وسلمان»([2]).

هل يعقل أن أصحاب النبي ﷺ الذين خالطوه ثلاثاً وعشرين سنة على تفاوت بينهم خاصة المقربين؛ كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وأبي عبيدة، ومعاذ، وأُبَي بن كعب، وغيرهم لم ينتفعوا بتربية النبي ﷺ وتوجيهه؟ كل ذلك الجهد الذي بذله النبي ﷺ ذهب أدراج الرياح؟ باعوا دينهم لأجل المال والجاه؟

ولكن مع هذا لا أحد يعرف من الذي دفع المال؟ ولا مَنِ الذي أخذه؟ وأين هذا المال؟ إنه أمر عجيب!!

فَكِّروا ــ أخي أُخَيَّتي ــ في جهادهم مع النبي ﷺ، وصَبْرِهم معه، وبَذْلِهم الغالي والنفيس في سبيل الله.

فلنتدبر قوله تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الجمعة: 2].

ولنقف عند قوله تعالى: ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾ ، فهل زكاهم؟

إن الطعن في أصحاب رسول الله ﷺ، هو نقدٌ مباشر ــ شئنا أو أَبَيْنا ــ إلى رسول الله ﷺ بل إلى الله سبحانه وتعالى.

أخي.. أخيَّتي..

إن أعداء الدين يجدون أخصبَ ميدانٍ لهم للطعن في ديننا هو هذا الميدان، وذلك أنهم يقولون: إن مبادئ الإسلام إنما هي حبر على ورق، لا يمكن أن تطبق أبداً، فإذا عجز النبي ﷺ أن يطبقه في أخص أصحابه، ولم يستطع أن يزكيهم فمع من سينجح هذا الدين؟!

ألم يقل الله فيهم: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ ٱلسَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلْأَقْدَامَ﴾ [الأنفال: 11].

فلنتدبر معنى التطهير وإذهاب الرجز، ولا تنسوا أن تقارنوا هذا مع قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب: 33].

ولنتأمل ونقارن ما ذكره الله جل وعلا في أصحاب محمد، وما قاله  في المنافقين في الأحزاب: ﴿يَاأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوا ٱذْكُرُوا نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا إِذْ جَاؤُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ ٱلْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَا هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا﴾ [الأحزاب: 9 ـ 11].

هذه غزوة الأحزاب، أما المنافقون فقال عنهم: ﴿وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا﴾ [الأحزاب: 12].

وأما المؤمنون من المهاجرين والأنصار فقال عنهم: ﴿وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا ٱللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ [الأحزاب: 22، 23].

فالله جلَّ وعزَّ يقول:  وعلماء الشيعة يقولون: بدلوا. فمن نصدق؟!

وفي غزوة تبوك في السنة التاسعة من الهجرة قال الله فيهم: ﴿لَقَدْ تَابَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلْأَنْصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 117].

بالله عليكم تأملوا وفكروا قليلاً في أناس آمنوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين كذّبه الناس ودافعوا عنه، واحتملوا الأذى وناصروه في حروبه كلها، حتى رمتهم الناس عن قوس واحدة، وطّنوا أنفسهم على الموت متعرضين لحرب قيصر وكسرى وغيرهما، كيف يبيع هؤلاء دينهم وجهادهم، فيبايعون أبا بكر، ويغدرون بعلي، وليس لأبي بكر عشيرة، ولا مَنَعَة، ولا حاجب، ولا مال، ولم يُرَغِّبْ، ولم يُرَهِّبْ؟ كيف أعطوه الخلافة، وعصوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يبايعوا علياً؟.

ما الذي جعلهم يبيعون دينهم بدنيا غيرهم؟

ومع هذا كله كيف يريدنا علماء الشيعة أن نصدق أن هؤلاء القوم بعد مقتل عثمان انضموا إلى علي، وقاتلوا تحت لوائه. ما الذي غيَّرهم؟ لا أحد يدري...

هل يريدوننا أن نصدق أن علياً وفاطمة طافا بالمهاجرين والأنصار ــ بعد وفاة رسول الله ــ يطلبان الخلافة لعلي([3]) فلا يجدان من يقف معه ولا من ينصره بل جحدوا حقَّه. وبعد وفاة عثمان يسارعون إلى بيعة علي.

ترى ما الذي جلّىٰ أبصارهم؟

وبعد هذه المقدمة في بيان مكانة أصحاب رسول الله تعالوا لتقرؤوا كلام علمائكم فيهم.

قال نعمة الله الجزائري: «إن أغلب الصحابة كانوا على النفاق، ولكن كانت نار نفاقهم كامنة في زمنه (أي: النبي) فلما انتقل إلى جوار ربه برزت نار نفاقهم لوصيِّه ورجعوا القهقرى»([4]).

وقال البياضي: «عمر بن الخطاب كان كافراً يبطن الكفر ويظهر الإسلام»([5]).

وقال المجلسي: «لا مجال لعاقل أن يشك في كفر عمر، فَلعْنةُ الله ورسوله عليه، وعلى كل من اعتبره مُسْلماً، وعلى كل من يكف عن لعنه»([6])، سبحان الله! أي حقد هذا؟! ترىٰ هل قال مثل هذا في فرعون؟!

وقال البحراني: «كان أبو بكر الصديق يصلي خلف رسول الله ﷺ، والصنم معلق في عنقه يسجد له، وكان يفطر متعمداً في نهار رمضان، ويشرب الخمر، ويهجو رسول الله»([7]).

وفي «ضياء الصالحين»: «من يلعن أبا بكر، وعمر في الصباح لم يكتب عليه ذنب حتى يمسي، ومن لعنهما في المساء لم يكتب عليه ذنب حتى يصبح»([8]).

يذكِّرني هذا بقصة وقعت لي، وهي أني سألت أحد الشيعة: كم مرة لعنت عمر في حياتك؟ فقال لي مستغرباً: كل يوم ألعنه. فقلت له: وكم مرة لعنت فرعون؟ فسكت قليلاً ثم فقال: لا أذكر أني لعنته في حياتي!!

أسأل الله له الهداية والتوفيق؛ لأنه قد تعصب كثيراً لمذهبه بعد ذلك، وإني لأرجو فيه خيراً.

أما التويسركاني؛ فإنه فاق أقرانه من علماء الشيعة في بغضه لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «اعلم أن أشرف الأمكنة، والأوقات، والحالات، وأنسبها للعن عليهم إذا كنت في المبال (نعم في المبال)، فقل عند كل واحد من التخلية، والاستبراء، والتطهير مراراً بفراغ من البال: اللهم العن عمر، ثم أبا بكر وعمر، ثم عثمان وعمرٍ، ثم معاوية وعمر، ثم يزيد وعمر، ثم ابن زياد وعمر، ثم ابن سعد وعمر، ثم شَمْراً وعمر، ثم عسكرهم، اللهم العن عائشة، وحفصة، وهند، وأم الحكم، والعن من رضي بأفعالهم إلى يوم القيامة»([9]).

أهذا دين؟ أهذا يقوله اليهود والنصارى؟ أتدرون من يقوله؟ إنهم أناس ينتسبون إلى الإسلام!! وهل يذكر الله في الحمام عند المبال؟!

وقال الخميني عن أبي بكر وعمر: «وإن مثل هؤلاء الأفراد الجهال الحمقى، والأفاقون والجائرون غير جديرين بأن يكونوا في موقع الإمامة»([10]).

وقال أيضاً: «الواقع أنهم ما أعطوا الرسول ﷺ حقه وقدره،... الرسول ﷺ الذي كَدَّ وجَدَّ وتحمل المصائب من أجل إرشادهم وهدايتهم، وأغمضَ عينيه، وفي أذنيه كلمات ابن الخطاب القائمةُ على الفرية، والنابعة من أعمال الكفر والزندقة»([11]).

تُرى هل سمعتم بقصيدة ياسين الصواف عن عيد مقتل عمر؟! فإن لم تكونوا سمعتموها فأستميحكم عذراً أن أذكرها وإن آذت أسماع البعض، قال:

يا صَاحِ صِحْ إنّ هذا عِيـدُ فَاطِمَةَ

                              عِيدُ السُّرُورِ بِبَقْرِ الْبَطنِ مِنْ عُمَرِ

يَومٌ بِهِ صَاحَ إِبْلِيسُ الْغَوِيُّ ضُحَىٰ  

                                 بِمَـجْمَعٍ مِنْ غُوَاةِ الْجِنِّ وَالْبَشَرِ

اليَومَ مَاتَ رَئِيسُ الْفَاسِقِينَ وَمَنْ

                              سَادَ الْأَبَالِيسَ مِنْ جِنٍّ وَمِنْ بَشَرِ

فَيْرُوزُ([12]) لَا شَلَّتِ الْكَفَّانِ مِنْكَ لَقَدْ

                                  قَتَلْتَ غُنْدَرَ قَدْ هُنّيتَ بِالظَّـفَرِ

مَا أَسَّسَ الْجَوْرَ وَالْعُدْوَانَ غَيْرُ أَبِي 

                               بَكْرٍ وَلَا سَاسَ مِنْ ظُلْمٍ سِوَىِ عُمَرِ

أَرْجُو مِنَ الله رَبِّـي أَنْ يُبَلِّغَنِي          

                              أَرَىٰ اللّعِينَيْنِ رُؤْيَا الْعَـيْنِ بِالنَّـظَرِ

يُنْبَشَانِ كَـمَا قَالَ النَّبِيُّ لَنَا              

مِنْ بَعْدِ دَفْنِهِمَا مِنْ سَـاتِرِ الْحُفَرِ

وَيُصْلَبَانِ عَلَىٰ جِذْعَيْنِ مِنْ خَشَبٍ          

                                            وَيُحْـرَقَانِ بِلَا شَكٍّ وَلَا نُـكُرِ

 

هذه بعض الأبيات التي انتقيتها من هذه القصيدة من كتابه «عقد الدرر في بقر بطن عمر»([13]).

ــ هل تعرفون أبا لؤلؤة؟ إنه المجوسي الذي قتل عمر ابن الخطاب صلى الله عليه وآله وسلم هذا المجوسي له اليوم قبر، ومشهد في كاشان([14]) يُزَار.

قال الغريفي في مقدمة كتاب «عقد الدرر»: «إن قاتل الخليفة الثاني هو أبو لؤلؤة فيروز، وإنه وإن كان على أي مذهب أو ملة أو دين؛ فإنه مستحق للرحمة لِمَا تحقق من دعاء الصديقة الزهراء عليه ببقر البطن، ويقتضي زيارة هذا المقام المنسوب إليه (يعني: بكاشان) برجاء أن يكون له، ومن المناسب عند زيارته الترحم عليه كرامة لفعله».

ويقول الكركي: «إن من لم يجد في قلبه عداوة لعثمان، ولم يستحل عرضه، ولم يعتقد كفره فهو عدو لله ورسوله، كافر بما أنزل الله»([15]).

وفي تفسير قوله تعالى: ﴿ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا ٱمْرَأَةَ نُوحٍ وَامَرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ٱدْخُلَا ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّاخِلِينَ﴾ [التحريم: 10].

قال القمي في تفسيره([16]): و«الله ما عنى بقوله فخانتاهما إلا الفاحشة، وَلَيُقيمَنَّ الحدَّ على عائشة فيما أتت في طريق البصرة، وكان طلحة يحبها، فلما أرادت أن تخرج إلى البصرة قال لها فلان: لا يحل لك أن تخرجي من غير محرم، فزوجت نفسها من طلحة».

وقال رجب البرسي: «إن عائشة جمعت أربعين ديناراً من خيانة، وفرقتها على بعض مبغضي علي»([17]).

 

أخي أُخَيَّتي..

إنني أكتب هذا لعلِّي أرى مشاعل من نور، ولو خافتة تصل من بعيد يحملها أناس يبحثون عن الحق.

وأختم هذه الوقفة فأقول: وَيْحَكُمْ أين يُذْهَب بكم؟ أناس يثني عليهم الله سبحانه وتعالى في كتابه، ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم في سُنَّته، وأئمة آل البيت في كلامهم([18]) مع ما اشتهر من جهادهم مع رسول الله ﷺ، وقتالهم للمرتدين، وفتحهم البلاد، ونشرهم الإسلام، وَزَوَّجَهم النبي ﷺ، وتزوج من بناتهم، وكذا فعل آئمة آل البيت كما سيأتي، واعترف بفضلهم القاصي والداني، والمسلم والكافر.

أنترك هذا كله، ونأخذ بقول المجلسي، والجزائري، والطبرسي، والخميني، وأمثالهم؟!!

هؤلاء يدافعون عن القائلين بتحريف القرآن، وبعضهم يقول به ــ إن لم يكونوا كلهم ــ، ويثنون على فعل التتار بالمسلمين([19]).

أتقبل ــ أيها الشيعي ــ أن تكون قاضياً في خلافة عمر؟ أتزوجه ابْنَتَك؟ أتُسَمِّي ابنَك باسمه؟ لَقَدْ فعل علي ــ سيدي وسَيّدُك ــ هذا كله.

هل سببتم فرعون، وهامان، وأبا جهل كما سببتم عمر وأبا بكر؟ ألا ترون أنه يُكاد بكم، وأنتم تصعدون، ولكن إلى الهاوية.

هل كان المنافقون هم ألصق الناس برسول الله ﷺ؟ فزوَّجَهم، وتزوَّج منهم؟ أترون أن رسول الله ﷺ يهاجر خائفاً مختفياً من المشركين، ويأخذ معه رأس النفاق؟ أيفعل هذا عاقل؟!! فكيف نقبل هذا في رسول الله ﷺ؟

أما كان يمكن لأبي بكر أن يعطس، أو يصرخ، أو يسعل حتى يعلم المشركون بمكان رسول الله ﷺ.

أين نحن من قوله جلَّ وعلا: ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا﴾ [التّوبَة: 40].

وأخيراً أقول: تعالوا نقرأ، ونكرر قوله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ ٱلْأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلْأَنْصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ﴾ [التّوبَة: 100].

 

([1])     قال البياضي في «الصراط المستقيم» (3/141): «قالوا: أفسدتم الدين بسب الصحب الصالحين قلنا: لا إنما تبرأنا من الفاسقين المتغيرين كما ذكرته في كتبهم من حديث الحوض، لم يزالوا مرتدين فقال النبي: سحقاً لمن غير بعدي، فاتبعنا سيد المرسلين».
   بل يعتقدون التقرب بسبهم امتثالاً لأمر الله، قال ذلك التستري في «إحقاق الحق» (ص8 ــ 9): «بل يلعنون بعض الصحابة ممن اعتقدوا أنه أظهر بعد وفاة النبي آثار الجلافة، فغصبوا الخلافة وظلموا أهل البيت بكل بلية وآفة».
   قال التستري في «إحقاق الحق» ص316: «كما جاء موسى للهداية، وهدى خلقاً كثيراً من بني إسرائيل وغيرهم، فارتدوا في أيام حياته، ولم يبق فيهم أحد على إيمانه سوى هارون (ع)؛ كذلك جاء محمد ﷺ وهدى خلقاً كثيراً لكنهم بعد وفاته ارتدوا
= على أعقابهم». وقال التيجاني في كتابه «ثم اهتديت» (ص156): «قرأت الكثير حتى اقتنعت بأن الشيعة الإمامية على حق، فتشيعت؛ وركبت على بركة الله سفينة أهل البيت، وتمسكت بحبل ولائهم؛ لأني وجدت بحمد الله البديل عن بعض الصحابة الذين ثبت عندي أنهم ارتدوا على أعقابهم، ولم ينج منهم إلا القليل».
   قال نعمة الله الجزائري في كتابه «الأنوار النعمانية» (2/244) ما نصه: «الإمامية (أي: الشيعة الاثني عشرية) قالوا بالنص الجلي على إمامة علي، وكفَّروا الصحابة، ووقعوا فيهم، وساقوا الإمامة إلى جعفر الصادق وبعد إلى أولاده المعصومين ؟م، ومؤلف هذا الكتاب من هذه الفرقة وهي الناجية إن شاء الله».
   محمد باقر المجلسي صحح في كتابه «مرآة العقول» (26/213) رواية ارتداد الصحابة على زعم الشيعة، فلقد روى الكليني في «الروضة من الكافي» رواية رقم (341) عن أبي جعفر «قال: كان الناس أهل ردة بعد النبي إلا ثلاثة، فقلت: ومن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي رحمة الله وبركاته عليهم».
   وقال مرتضى محمد الحسيني النجفي في كتابه «السبعة من السلف» (ص7): «إن الرسول ابْتُلي بأصحاب قد ارتدوا من بعد عن الدين إلا القليل».
   وقال المجلسي في «بحار الأنوار» (30/399): «الأخبار الدالة على كفر أبي بكر وعمر وأضرابهما وثواب لعنهم والبراءة منهم أكثر من أن يذكر في هذا المجلد أو في مجلدات شتى، وفيما أوردناه كفاية لمن أراد الله هدايته إلى الصراط المستقيم».

([2])    «أصول الكافي» (2/245)، ووصف الكاشاني أسانيد هذه الرواية بأنها معتبرة.

             وكذا عند المعاصرين منهم: التيجاني في «ثم اهتديت» (ص65 ــ 66)، والهاشمي بن علي في «الصحابة في حجمهم الحقيقي» (ص79)، وعلي بن معصوم الشيرازي في «الدرجات الرفيعة» (ص17، 19)، وأحمد حسين يعقوب في «نظرية عدالة الصحابة» (ص54، 55).

             وللمزيد يراجع: «شرح أصول الكافي» للمازندراني (11/277)، «الصراط المستقيم» للبياضي (1/198)، (3/114)، «السقيفة» لسليم بن قيس (ص166)، «الروضة من الكافي» للكليني (ص356).

([3])    انظر: كتاب «السقيفة» لسليم بن قيس (ص82، 83).

([4])    «الأنوار النعمانية» (1/81).

([5])    «الصراط المستقيم» (3/129).

([6])    «جلاء العيون» (ص45).

([7])    «البرهان» (1/500).

([8])    «ضياء الصالحين» لمحمد صالح الجوهري (ص513).

([9])    «لآلئ الأحبار» لآيه الله محمد نبي التويسركاني (4/ 92) في باب الأدعية الواردة للتعقيب.

([10])  «كشف الأسرار» (ص127).

([11])   «كشف الأسرار» (ص137).

([12])  فيروز: هو أبو لؤلؤة المجوسي قاتل عمر رضي الله عن عمر.

([13])  القصيدة تزيد علىٰ (135) بيتاً، ذكرها الشيخ محمد مال الله رحمه الله في كتابه «يوم الغفران» نقلاً عن «عقد الدرر في بقر بطن عمر» تأليف الشيعي ياسين بن أحمد الصواف (ص9 ــ 12).

([14])  كاشان: مدينة إيرانية.

([15])  «نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت» (ق57/أ) لعلي بن هلال الكركي المتوفى سنة 984هـ.

([16])  (2/377).

([17])  «مشارق الأنوار» (ص86).

([18])  ومما ورد في هذا قول علي ؟ا: «لقد رأيت أصحاب رسول الله ﷺ فما أرىٰ أحداً منكم يشبههم، لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً، وقد باتوا سجداً وقياماً، يراوحون بين جباههم وجنوبهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكروا الله؛ هملت أعينهم، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف» «نهج البلاغة» خطبة رقم (97).

([19])  كما جاء على لسان الخميني وسيأتي في الوقفة السادسة من هذه الرسالة.