نقد مراجعة الشيعي عبدالحسين 110 - النقاط 1 و 2
30-03-2023
نقد مراجعة الشيعي عبدالحسين رقم [110]
هذه المراجعة حملت في طياتها كثيراً من المعلومات والنقاط، وسأقف معها وقفاتٍ ليست بالقصيرة، فقد حفّزني ما جاء فيها إلىٰ التّشمير عن ساعد الجدّ، ونفض الغبار عن كثيرٍ من كتب الشيعة الاثنىٰ عشرية التي أحتفظ بها في مكتبتي.
ومن خلال قراءتي المتأنية لهذه المراجعة؛ وضعت مجموعةً من النقاط التي رأيت أن مراجعته تدور حولها، أجملها ثمّ أفصّلها، فإن أغفلت شيئاً؛ فلأنه قد مرّ الكلام عليه، أو أني رأيت أنّ غيره أولىٰ منه بالاهتمام والرّدّ. وعلىٰ كلٍّ ما سأذكره فيه كفايةٌ فيما أظنّ.
النقاط إجمالاً:
- أخذ الشيعة الاثنا عشرية أصولهم وفروعهم عن الأئمة الاثني عشر.
- أسانيدهم إلىٰ الأئمة الاثني عشر متواترة.
- كتب الشيعة صنّفت في عهد الأئمة الاثني عشر.
- لم يصنّف أحدٌ من تلاميذ الأئمة الأربعة عند السُّنة فضلاً عن الأئمة أنفسهم.
- أصول كتب الشيعة أربعمئة كتابٍ.
- ليست للأئمة الأربعة عند السُّنة من المنزلة ما للأئمة الشيعة عند أتباعهم.
- الشيعة الاثنا عشرية هم أوّل من صنّف في العلم بالإجماع.
- علي أول من جمع القرآن.
- لعلي صحيفةٌ ينقل عنها البخاري ومسلمٌ، وأكثر الإمام أحمد من الأخذ منها.
- علي دوّن مصحف فاطمة، وهو عبارةٌ عن أمثالٍ ومواعظ وحكمٍ.
- بعد علي صنّف أبو ذرٍّ وسلمان.
- أبو رافعٍ له كتاب السّنن والأحكام، وبعده ابنه علي، ثم ابنه عبيد الله.
- كتاب سليم بن قيسٍ أصلٌ يعتمد عليه.
- رجع جميع الناس في أصولهم إلىٰ علي بن الحسين بعد مقتل الحسين.
- تلاميذ زين العابدين والباقر يزيدون علىٰ أربعة آلافٍ، ومصنّفاتهم عشرة آلاف أو تزيد، ورويت بالأسانيد الصحيحة.
- البخاري يحتجّ بعمران بن حطان، ومروان، وعكرمة. ويعرض عن: الحسن بن علي، والصّادق، والكاظم، والرّضا، والجواد.
- كبار رواة الشيعة هم: بريد بن معاوية، أبو بصيرٍ، زرارة بن أعين، محمد بن مسلمٍ.
- هـٰؤلاء الأربعة ــ السابق ذكرهم آنفاً ــ هم أمناء الله علىٰ حلاله وحرامه.
- إنّ الكتب الأربعة: «الكافي» و«الاستبصار» و«التهذيب» و«من لا يحضره الفقيه»؛ هي عبارةٌ عن ملخصاتٍ من الكتب الأربعمئة.
- الكتب الأربعة هي مرجع الإمامية في أصولها وفروعها من الصّدر الأول إلىٰ الآن، وهي متواترةٌ مقطوعٌ بصحّة مضامينها.
- الدّفاع عن هشام بن الحكم، وأنه بريءٌ من كلّ ما نسب إليه، وأنه كان جهمياً ثمّ تاب علىٰ يد الصّادق.
- أنه استفرغ الوسع والطّاقة؛ فلم يجد في كتبهم شيئاً من الطّعن فيما نسب إلىٰ زرارة، ومحمد بن مسلمٍ، ومؤمن الطّاق، وأمثالهم، وإنما الأمر بغيٌ وعدوانٌ.
الرد علىٰ النقاط الثنتين والعشرين تفصيلاً:
[1، 2] قوله: «إن الشيعة الاثني عشرية أخذت أصولها وفروعها عن الأئمة الاثني عشر بالأسانيد الصحيحة المتواترة».
إن هذه دعوىٰ لا تسلّم له، بل أكاد أجزم بأنهم لا يملكون أسانيد صحيحةً إلىٰ الأئمّة الاثني عشر، فضلاً عن أن تكون متواترةً، والذي أعرفه من خلال قراءتي في كتبهم؛ أنهم لا يملكون ناقةً ولا جملاً، بل ولا عقالاً في علم الحديث والرجال.
قال الحائري: «ومن المعلومات التي لا يشكّ فيها أحدٌ أنه لم يصنع في دراية الحديث من علمائنا قبل الشّهيد الثاني، وإنما هو من علوم العامّة»([1]).
قلت: الشّهيد الثاني هو زين الدّين العاملي المتوفّىٰ سنة (965 هـ)، قال ذٰلك في كتابه «شرح البداية في علم الدراية»، وكلاهما ــ البداية والشّرح ــ له.
قال محقّقو الكتاب في مقدّمتهم: «ووجدنا أنّ الشّهيد تأثّر بــ«مقدمة ابن الصّلاح» التي تقدّم التّعريف بها، يظهر ذلك لمن راجع شرح البداية ومقدمة ابن الصّلاح»، ثمّ ذكروا أمثلةً علىٰ ذلك التطابق بين الكتابين إلىٰ أن قالوا: «وغيرها من الموارد التي يملّ القارئ من ذكرها».
أمّا حال الأسانيد عندهم؛ فقد قال الحرّ العاملي: «الفائدة من ذكر الأسانيد مجرّد التّبرّك باتّصال سلسلة المخاطبة اللسانية، ودفع تعيير العامّة للشيعة بأنّ أحاديثهم غير معنعنةٍ»([2]).
قلت: يريد الحائري والعاملي بــ«العامّة» أهل السُّنة، وهو أيضاً المراد في كتب الشيعة.
وأمّا علم الرجال؛ فأشهر كتبهم القديمة في الرجال ثلاثةٌ: «رجال الكشي»، و«رجال النجاشي»، و«رجال ابن البرقي»، وكلّها في القرن الرابع الهجري. وأشهرها وأكثرها فائدةً كتاب الكشي، والذي اعتنىٰ به الطوسي، ولكن هـٰذه الكتب لا تسمن ولا تغني من جوعٍ.
فأمّا كتاب النجاشي؛ فهو عبارةٌ عن ذكر مصنّفات من يترجم لهم، ولا علاقة له بالجرح والتعديل إلّا الشيء اليسير، وكذا كتاب الكشي؛ فمجموع تراجمه (520) ترجمةٍ، يمكن تقسيمها إلىٰ ما يأتي:
- من تضاربت فيهم الأقوال من توثيقٍ وتضعيفٍ.
- من ترجم لهم، ولم يذكر فيهم جرحاً ولا تعديلاً.، وهم الأكثر.
- من مدحهم أو ذمّهم، وهو لم يعاصرهم.
وأنا أسوق هـٰذه الأقوال عسىٰ الله تعالىٰ أن يهدي بها الحائرين ويبصّرهم:
قال الكاشاني: «في الجرح والتعديل وشرائطهما اختلافاتٌ وتناقضاتٌ واشتباهاتٌ لا تكاد ترتفع بما تطمئنّ إليه النفوس كما لا يخفىٰ علىٰ الخبير بها»([3]).
وقال محمد آصف محسني: «إنّ أرباب الجرح والتعديل كالشيخ الطّوسي والنجاشي وغيرهما؛ لم يعاصروا النبي ، وأمير المؤمنين، ومن بعدهم حتىٰ تكون أقوالهم في حقّهم صادرةً عن حسٍّ مباشرٍ، فإمّا أن تكون توثيقاتهم وتضعيفاتهم مبنيةً علىٰ أماراتٍ اجتهاديةٍ وقرائن ظنيةٍ، أو أقوالٍ منقولةٍ عن واحدٍ بعد واحدٍ حتىٰ ينتهي إلىٰ الحسّ المباشر، أو بعضها اجتهادية وبعضها الآخر منقولة.
وعلىٰ جميع التقادير لا حجّية فيها أصلاً؛ فإنها علىٰ الأول: حدسيةٌ وهي غير حجّةٍ. وعلىٰ الثاني: يصبح أكثر التوثيقات مرسلةً؛ لعدم ذكر ناقلي التوثيق والجرح، والمرسلات لا اعتبار بها. نعم، عدّةٌ من التوثيقاتٍ منقولةٌ مسندةٌ، وهـٰذا مما لا شكّ في حجّيتها واعتبارها إذا كانت الأسانيد معتبرةً([4]). والحاصل أنّ حال هـٰذه التوثيقات حال الروايات المرسلة، فكما إذا قال الشيخ الطوسي: قال الصّادق كذا وكذا، ولم ينقل سنده؛ لا نقبله. كذا إذا قال: مسعدة بن صدقة من أصحاب الصادق ثقة؛ فإنّ الحال فيهما واحدٌ»([5]).
وقال الحرّ العاملي: «الحديث الصحيح هو ما رواه العدل الإمامي الضّابط في جميع الطبقات. وهـٰذا يستلزم ضعف كلّ الأحاديث عند التحقيق؛ لأنّ العلماء لم ينصّوا علىٰ عدالة أحدٍ من الرواة إلّا نادراً. وإنما نصّوا علىٰ التوثيق وهو لا يًستلزم العدالة قطعاً. كيف وهم يصرّحونً بخلافها، حيث يوثّقون من يًعتقدون فسقه وكفره وفساد مذهبه، فيلزم من ذٰلك ضعف جميع أحاديثنا؛ لعدم العلم بعدالة أحدٍ منهم»([6]).
وقال أيضا: «والثقات الأجلاء من أصحاب الإجماع وغيرٍهم؛ يروون عن الضّعفاء والكذّابين والمجاهيل حيث يعلمون حالهم، ويشهدون بصحّة حديثهم»([7]).
وقال كذٰلك: «ومن المعلوم قطعاً: أنّ الكتب التي أمر ؟م بالعمل بها كان كثيرٌ من رواتها ضعفاء ومجاهيل»([8]).
وها أنا أذكر مثالين من أسانيد كتبهم ليتبين الحال وحقيقة المقال:
أمّا الأول: فمن كتاب «الأنوار النعمانية»؛ قال نعمة الله الجزائري المتوفّىٰ سنة (1112هـ)([9]): حدّثني أوثق مشايخي السيد هاشمٌ الإحسائي في شيراز، عن شيخه العادل الثقة الورع محمد الحرفوشي أعلىٰ الله مقامه في دار المقامة: «أنه دخل مسجداً من مساجد الشام، وكان مسجداً عتيقاً مهجوراً، فرأىٰ رجلاً حسن الهيئة في ذٰلك المسجد، فأخذ الشيخ في المطالعة في كتب الحديث، ثم إنّ الشيخ سأله عن أحواله ومشايخه؟
فقال ذٰلك الرجل: أنا معمرٌ أبو الدنيا، وأخذت العلم عن علي بن أبي طالبٍ وعن الأئمة الطّاهرين، وأخذت فنون العلم عن أربابها، وسمعت الكتب من مصنّفيها. فاستجازه الشيخ في كتب الأحاديث الأصول وغيرها.
[قال الجزائري]: ومن ثمّ كان شيخنا [هاشمٌ الإحسائي] الثّقة ــ قدّس الله روحه ــ يقول لي: «يا بني! إنّ سندي إلىٰ المحمدين الثلاثة وغيرهم من أهل الكتب قصيرٌ؛ فإني أروي عن الفاضل الحرفوشي، عن الإمام علي بن أبي طالبٍ، وكذا إلىٰ الصّادق والكاظم إلىٰ آخر الأئمة، وكذٰلك روايتي لكتب الأصول مثل: الكافي، والتهذيب، ومن لا يحضره الفقيه، وأجزتك أن تروي عنّي بهـٰذه الإجازة».
[قال الجزائري]: فنحن نروي الكتب الأربعة عن مصنّفيها بهـٰذا الطريق»([10]).
قلت: ومعمرٌ أبو الدنيا يذكّرنا بحبابة الوالبية المعمّرة([11])!! فعن حبابة الوالبية قالت: يا أمير المؤمنين ما دلالة الإمامة يرحمك الله؟ قال: «ائتيني بتلك الحصاة».
فأشار بيده إلىٰ حصاةٍ، فأتيته بها فطبع لي فيها بخاتمه، ثمّ قال: «يا حبابة! إذا ادّعىٰ مدّعٍ الإمامة، فقدر أن يطبع كما رأيت فاعلمي أنه إمامٌ مفترض الطّاعة، والإمام لا يعزب عنه شيءٌ يريده». قالت: ثمّ انصرفت حتىٰ قبض أمير المؤمنين عليه السلام، فجئت إلىٰ الحسن عليه السلام وهو في مجلس أمير المؤمنين عليه السلام والنّاس يسألونه، فقال: «يا حبابة الوالبية».
فقلت: نعم يا مولاي. فقال: «هاتي ما معك». فأعطيته فطبع فيها كما طبع أمير المؤمنين عليه السلام، قالت: ثم أتيت الحسين عليه السلام وهو في مسجد رسول الله ، فقرّب ورحّب، ثمّ قال لي: «إنّ في الدّلالة دليلاً علىٰ ما تريدين، أفتريدين دلالة الإمامة؟» فقلت: نعم يا سيدي. فقال: «هاتي ما معك» فناولته الحصاة فطبع لي فيها. قالت: علي بن الحسين عليه السلام وقد بلغ بي الكبر إلىٰ أن أرعشت وأنا أعدّ يومئذٍ مئة وثلاث عشرة سنةً، فرأيته راكعاً وساجداً أو مشغولاً بالعبادة، فيئست من الدّلالة، فأومأ إلي بالسّبّابة، فعاد إلي شبابي.
فقلت: يا سيدي كم مضىٰ من الدنيا وكم بقي؟ فقال: «أما ما مضىٰ فنعم، وأمّا ما بقي فلا» قالت: ثمّ قال لي: «هاتي ما معك» فأعطيته الحصاة فطبع لي فيها، ثمّ أتيت أبا جعفرٍ عليه السلام فطبع لي فيها، ثمّ أتيت أبا عبد الله عليه السلام فطبع لي فيها، ثمّ أتيت أبا الحسن موسىٰ عليه السلام فطبع لي فيها، ثمّ أتيت الرضا عليه السلام فطبع لي فيها. وعاشت حبابة بعد ذٰلك تسعة أشهرٍ علىٰ ما ذكر محمد بن هشامٍ».
أمّا المثال الثاني؛ فقد أخرج الكليني في «الكافي» عن علي بن أبي طالبٍ؛ أنه قال عن عفيرٍ حمارٍ لرسول الله : «إنّ ذٰلك الحمار كلّم رسول الله فقال: بأبي أنت وأمّي، إنّ أبي حدّثني عن أبيه عن جدّه عن أبيه: أنه كان مع نوحٍ في السّفينة، فقام إليه نوحٌ فمسح علىٰ كفله ثمّ قال: يخرج من صلب هـٰذا الحمار حمارٌ يركبه سيد الأولين وخاتمهم، فالحمد لله الذي جعلني ذٰلك الحمار»([12]).
([3]) «الوافي: المقدمة الثانية» (1/11).
([5]) «بحوث في علم الرجال» (ص53).
([9]) قال يوسف البحراني عن الجزائري: «السّيد المحدّث نعمة الله عبدالله الموسوي الشوشتري، وكان هـٰذا السّيد فاضلاً محدّثاً مدققاً واسع الدائرة في الاطلاع علىٰ أخبار الإمامية» اهـ. «لؤلؤة البحرين» (ص111).
وقال الخوانساري: «كان من أعاظم علمائنا المتأخرين، وأفاخم فضلائنا المتبحرين، واحد عصره في العربية والأدب والفقه والحديث» اهـ. «روضات الجنات» (8/138).
([10]) «الأنوار النعمانية» (2/7).