مراجعة الشيعي عبدالحسين 106
29-03-2023
مراجعة الشيعي عبدالحسين رقم [106]
18 ربيع الثاني سنة 1330 هـ
ألفتكم إلىٰ محاورة ابن عباس وعمر، إذ قال عمر ــ في حديث طويل دار بينهما ــ: يا ابن عباس أتدري ما منع قومكم منكم بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟ (قال ابن عباس): فكرهت أن أجيبه، فقلت له: إن لم أكن ادري فإن أمير المؤمنين يدري. فقال عمر: كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتجحفوا علىٰ قومكم بجحا بجحا، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت.
(قال): فقلت: يا أمير المؤمنين، إن تأذن لي في الكلام وتمط عني الغضب، تكلمت. قال: تكلم. (قال ابن عباس): أما قولك يا أمير المؤمنين: اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت، فلو أن قريشـا اختارت لأنفسها من حين اختار الله لها، لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود. وأما قولك: إنهم أبوا أن تكون لنا النبوة والخلافة، فإن الله عز وجل وصف قوما بالكراهة، فقال: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ ٱللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: 9].
فقال عمر: هيهات يا ابن عباس قد كانت تبلغني عنك أشياء أكره أن أقرك عليها فتزيل منزلتك مني. فقلت: ما هي يا أمير المؤمنين؟ فإن كانت حقا فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك، وإن كانت باطلا فمثلي أماط الباطل عن نفسه.
فقال عمر: بلغني إنك تقول: إنما صرفوها عنا حسدا وبغيا وظلما. (قال) فقلت: أما قولك يا أمير المؤمنين ظلما فقد تبين للجاهل والحليم، وأما قولك حسدا فإن آدم حسد ونحن ولده المحسودون. فقال عمر: هيهات هيهات، أبت والله قلوبكم يا بني هاشم إلا حسدا لا يزول. (قال) فقلت: مهلا يا أمير المؤمنين، لا تصف بهذا قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.. الحديث.
وحاوره مرة أخرىٰ، فقال له في حديث آخر: كيف خلفت ابن عمك؟ قال: فظننته يعني عبد الله بن جعفر، قال: فقلت: خلفته مع أترابه. قال: لم أعن ذلك إنما عنيت عظيمكم أهل البيت. قال: قلت: خلفته يمتح بالغرب وهو يقرأ القرآن. قال: يا عبد الله عليك دماء البدن إن كتمتنيها هل بقي في نفسه شيء من أمر الخلافة؟ قال: قلت: نعم. قال: أيزعم أن رسول الله نص عليه؟ قال ابن عباس: قلت: وأزيدك سألت أبي عما يدعي ــ من نص رسول الله عليه بالخلافة ــ فقال: صدق. فقال عمر: كان من رسول الله في أمره ذرو من قول يثبت حجة، ولا يقطع عذرا، ولقد كان يربع في أمره وقتا ما ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعه من ذلك.. الحديث.
وتحاورا مرة ثالثة فقال: يا ابن عباس ما أرىٰ صاحبك إلا مظلوما. فقلت: يا أمير المؤمنين فاردد إليه ظلامته. (قال) فانتزع يده من يدي ومضىٰ يهمهم ساعة، ثم وقف فلحقته، فقال: يا ابن عباس ما أظنهم منعهم عنه إلا أنه استصغره قومه. قال: فقلت له: والله ما استصغره الله ورسوله حين أمراه أن يأخذ براء ة من صاحبك. قال: فأعرض عني وأسرع، فرجعت عنه.
وكم لحبر الأمة ولسان الهاشميين وابن عم رسول الله عبد الله بن العباس من أمثال هذه المواقف، وقد مر عليك ــ في المراجعة 26 ــ احتجاجه علىٰ ذلك الرهط العاتي ببضع عشرة من خصائص علي في حديث طويل جليل، قال فيه: وقال النبي لبني عمه: «أيكم يواليني في الدنيا والآخرة؟». فأبوا، وقال علي: أنا أواليك في الدنيا والآخرة. فقال لعلي: «أنت وليي في الدنيا والآخرة».
(إلىٰ أن قال ابن عباس): وخرج رسول الله في غزوة تبوك وخرج الناس معه، فقال له علي: أخرج معك؟ فقال رسول الله: «لا». فبكىٰ علي، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أما ترضىٰ أن تكون مني بمنزلة هارون من موسىٰ، إلا أنه ليس بعدي نبي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي». (قال): وقال له رسول الله: «أنت ولي كل مؤمن بعدي». (قال): وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «من كنت مولاه فإن علياً مولاه..» الحديث.
وكم لرجالات بني هاشم يومئذ من أمثال هذه الاحتجاجات، حتىٰ أن الحسن بن علي جاء إلىٰ أبي بكر وهو علىٰ منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له: انزل عن مجلس أبي. ووقع للحسين نحو ذلك مع عمر وهو علىٰ المنبر أيضاً.
وكتب الإمامية تثبت في هذا المقام احتجاجات كثيرة قام بها الهاشميون وأولياؤهم من الصحابة والتابعين، فليراجعها من أرادها في مظانها، وحسبنا ما في كتاب «الاحتجاج» للإمام الطبرسي من كلام كل من خالد بن سعيد بن العاص الأموي، وسلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، والمقداد، وبريدة الأسلمي، وأبي الهيثم بن التيهان، وسهل وعثمان ابني حنيف، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، وأبي بن كعب، وأبي أيوب الأنصاري، وغيرهم. ومن تتبع أخبار أهل البيت وأوليائهم، علم أنهم كانوا لا يضيعون فرصة تخولهم الاحتجاج بأنواعه كلها من تصريح وتلويح، وشدة ولين، وخطابة وكتابة، وشعر ونثر، حسبما تسمح لهم ظروفهم الحرجة.
وأكثروا من ذكر الوصية محتجين بها كما يعلمه المتتبعون، والسلام. «ش».