نقد مراجعة الشيعي عبدالحسين رقم [86]

تحامل عبدالحسين كثيراً ــ في هذه المراجعة ــ علىٰ أصحاب رسول الله ، وحاول أن يحمّل الكلام ما لا يحتمل، وذٰلك من خلال أمورٍ:

  1. قال: إنّ عمر قال: «إنّ النبي يهجر». لكنهم ذكروا أنه قال: «إنّ النبي قد غلب عليه الوجع» تهـٰذيباً للعبارة بدلالة ما نقله أبو بكرٍ الجوهري في كتاب «السّقيفة» أنّ عمر قال كلمةً معناها: أنّ الوجع غلب عليه.
  2. وكذا أنهم لم يصرّحوا باسم من قال: «إنّ رسول الله يهجر» صراحةً.
  3. وأنهم كتموا ما قال رسول الله وهو: أنّ الخلافة بعده لعلي وللأئمّة من عترته.
  4. لو أصرّ رسول الله علىٰ الكتاب للجّوا في قولهم: «يهجر».

ولنا مع هـٰذه الأمور الأربعة التي ذكرها إحدىٰ عشرة وقفةً:

الوقفة الأولىٰ: هل يقبل كما أقبل أنا ويقبل كلّ مسلمٍ أنّ الدّين قبل هـٰذه القصّة كان قد كمل؛ تصديقاً لقوله تعالىٰ: ﴿ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلْإِسْلَامَ دِينًا﴾  [المائدة: 3].

الوقفة الثانية: هل يعلم كما أعلم أنا ويعلم كلّ مطّلعٍ أنّ النبي  لم يكتب ذٰلك الكتاب حتىٰ توفّي، فلو كان واجباً لما تركه، وإلّا كان مضيعاً لأمر الله، وحاشاه .

الوقفة الثالثة: هل يدري كما أدري أنا ويدري كلّ قارئٍ للسّيرة النبوية أنّ النبي  وقعت له هـٰذه القصّة يوم الخميس، وعاش بعدها ثلاثة أيامٍ: الجمعة والسّبت والأحد، حتىٰ توفّي يوم الاثنين، فلم لم يعد الكلام علىٰ الأقل لعلي ومحبّيه.

الوقفة الرابعة: هل يفهم كما أفهم ويفهم غيري أنه يرجم بالغيب عندما يقول إنّ النبي  أراد أن ينصّ بالخلافة علىٰ علي وولده من بعده.

الوقفة الخامسة: قوله: «إنّ القائل: يهجر؛ هو عمر»؛ كذا رجمٌ بالغيب، إنما حمله عليه فيما أظنّ موقفٌ سابقٌ له من عمر. وإلّا فقول عمر ؟ا: «غلب عليه الوجع»، ولم يقل: «يهجر». وجميع الروايات قد تواطأت علىٰ هـٰذا إلّا ما نقله عن الجوهري نقلاً عن «نهج البلاغة» وليس بثقةٍ كما سيأتي.

الوقفة السادسة: جاء في الحديث: «فاختلف أهل البيت»، فهل يقبل هـٰذا، وهو: أنّ أهل البيت هم الذين اختلفوا. وهو يعرف من هم أهل البيت في عقيدته.

الوقفة السابعة: جاء في بعض طرق هـٰذا الحديث أنّ علياً قال: «كنّا عند رسول الله ، فأمرني أن آتيه بطبقٍ يكتب فيه ما لا تضلّ أمّته من بعده. قال علي: فخشيت أن تذهب نفسه، فقلت: يا رسول الله! إني أحفظ وأعي. فقال : «أوصيكم بالصلاة والزكاة، وما ملكت أيمانكم»([1])، وهو مرسل.

الوقفة الثامنة: قال الدّهلوي: «من أين يثبت أنّ قائل ــ هـٰذا القول ــ: «يهجر» هو عمر؟ مع أنه وقع في أكثر الروايات: «قالوا» بصيغة الجمع»([2]).

الوقفة التاسعة: إن كلمة «هجر» في أكثر الروايات جاءت بصيغة الاستفهام كما نصّ علىٰ ذٰلك القاضي عياضٌ، والقرطبي، والنّووي، وابن حجرٍ([3])، وأنه للإنكار.

الوقفة العاشرة: باتّفاقنا جميعاً أنّ علياً كان حاضراً، فلم لم يكتب؟ ولم لم يحسم الأمر؟ ومع أي الفريقين كان؟ وهل هو الذي قال: «يهجر»؟!! لأنّ ابن عباس قال: فاختلف أهل البيت.

وكل ما في الأمر أنّ الصحابة لمّا رأوا شدّة وجع النبي  أشفقوا عليه وأرادوا أن يرتاح، فاجتهد بعضهم في طلب راحته، واجتهد آخرون في طلب الكتاب، فلما اختلفوا أمرهم  بالخروج ولم يلزمهم بالكتاب، ولم يكتبه من الغد، ولا بلّغه شفوياً. فدلّ كلّ ذلك علىٰ عدم وجوبه. وقد جاء في حديث ابن مسعودٍ: أنّ النبي  كان يوعك وعكاً شديداً([4]).

الوقفة الحادية عشرة: أمّا الرواية التي عزاها للطبراني في «الأوسط» عن عمر، قال: لما مرض النبي قال: «ائتوني بصحيفة ودواة، أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً». فقال النسوة من وراء الستر: ألا تسمعون ما يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال عمر: فقلت إنكن صويحبات يوسف إذا مرض رسول الله عصرتن أعينكن، وإذا صح ركبتن عنقه! قال: فقال رسول الله: «دعوهن فإنهن خير منكم».

ذكره الهيثمي([5])، وقال: «رواه الطّبراني في «الأوسط»، وفيه محمد بن جعفر بن إبراهيم الجعفري؛ قال العقيلي: في حديثه نظرٌ. وبقية رجاله وثّقوا، وفي بعضهم خلافٌ»!

 

([1])        أخرجه أحمد في «المسند» (2/84).

([2])       «مختصر التحفة الاثني عشرية» (250).

([3])       انظر:«الشفا» للقاضي عياض (2/886)، «المفهم» للقرطبي (4/559)، «شرح صحيح مسلم» للنووي (11/93)، «فتح الباري» لابن حجر (8/133).

([4])       أخرجه البخاري (5648)، ومسلم (2571).

([5])       «مجمع الزوائد» (9/34).