أوقات إجابة الدعاء
16-02-2023
إن للدعاء أوقاتاً يستحب للمسلم أن يدعو الله فيها؛ وينبغي للداعي أن يتحرىٰ هٰذه الأوقات علىٰ وجه الخصوص، فمن هٰذه الأوقات
1 ــ بين الأذان والإقامة: فقد قال النبي ﷺ: «لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة»([1])، وذلك لشرف وفضل هٰذا الوقت
2 ــ بعد تكبيرة الإحرام: فقد كان النبي ﷺ يقول دعاء الاستفتاح في صلاته، وذلك بعد تكبيرة الإحرام وقبل قراءة الفاتحة، وقد أمر بذلك المسيء في صلاته([2])
3 ــ في السجود: فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: «وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقَمنٌ أن يستجاب لكم»([3]) وقوله: «قَمِنٌ» أي: حري وجدير. والسجود فيه كمال الخضوع والذلّ لله عز وجل، فناسب أن يدعو العبد ربه وهو في هٰذه الحال
4 ــ في السحر: فقد مدح الله تعالىٰ المستغفرين في السحر، فقال: ﴿ وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلْأَسْحَارِ﴾ [آل عمران: 17]، ﴿وَبِٱلْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الذاريات]
وقيل: إن يعقوب عليه السلام لما قال لبنيه: ﴿ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي﴾ [يوسف: 98] أنه أخرهم إلىٰ وقت السحر([4])
قال القرطبي رحمه الله: «وخص السحر بالاستغفار؛ لأنه مظان القَبول، ووقت إجابة الدعاء»([5])
وقال الشيخ عبد الرحمٰن السعدي رحمه الله: «وللاستغفار بالأسحار فضيلة وخصيصة ليست لغيره»([6])
وقد ثبت في أحاديث كثيرة أن الله عز وجل ينزل إلىٰ السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، فيقول: «هل من سائل يعطىٰ؟ هل من داع يستجاب له؟ هل من مستغفر يغفر له؟»([7])
وقد دأب الصحابة والتابعون رضي الله عنهما علىٰ هٰذا، فكانوا يدعون الله تعالىٰ في الثلث الأخير من الليل، فهٰذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يصلي في الليل، ويقول لنافع: هل جاء السحر؟ فإذا قال: نعم؛ أقبل علىٰ الدعاء والاستغفار حتىٰ يصبح
وعن إبراهيم بن حاطب عن أبيه قال: سمعت رجلاً في السحر في ناحية المسجد وهو يقول: ربّ أمرتني فأطعتك، وهٰذا سحر، فاغفر لي. فنظرت فإذا ابن مسعود رضي الله عنه
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنا نؤمر إذا صلينا من الليل أنْ نستغفر في آخر السحر سبعين مرة
5 ــ دعاء يوم عرفة: فقد جاء في الحديث أن النبي ﷺ قال: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إلٰه إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو علىٰ كل شيء قدير»([8])
6 ــ بعد التشهد قبل السلام: وقد جاءت أدعية في هٰذا، فمن ذلك قول النبي ﷺ: «إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال»([9])
وقد بوب البخاري رحمه الله في صحيحه «باب الدعاء قبل السلام»
ومن ذلك قوله ﷺ لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: «يا معاذ إني أحبك، فلا تدعنّ دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني علىٰ ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك»([10])
7 ــ أثناء نزول المطر: فقد جاء في الحديث: «ثنتان لا تردان ــ أو قلما تردان ــ» وذكر منها: «ووقت المطر»([11])
8 ــ قبل الإفطار: فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله ﷺ: «إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد»([12])
9 ــ علىٰ الصفا والمروة: فقد روىٰ جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في صفة حجة النبي ﷺ أنه أتىٰ الصفا، فرقىٰ عليه حتىٰ رأىٰ البيت، فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره، وقال: لا إلٰه إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو علىٰ كل شيء قدير، لا إلٰه إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم دعا بين ذلك([13])
10 ــ في المشعر الحرام: وذلك بعد صلاة الفجر يوم العيد في مزدلفة، فإذا يسر الله لك الحج؛ فإنه يسن لك ذلك، أي: قبل طلوع الشمس، وقد روىٰ جابر رضي الله عنه ذلك في حجة النبي ﷺ أنه استقبل القبلة، ودعا، وكبر، وهلل، ووحد الله، فلم يزل واقفاً حتىٰ أسفر جداً، فدفع قبل أن تطلع الشمس([14])
وهو مصداق قول الله تعالىٰ: ﴿ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَٱذْكُرُوا ٱللَّهَ عِنْدَ ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ﴾ [البقرة: 198]، قال الإمام الطبري رحمه الله: «يعني بذلك جل ثناؤه: فإذا أفضتم فكررتم راجعين من عرفة، إلىٰ حيث بدأتم الشخوص إليها منه، ﴿ فَٱذْكُرُوا ٱللَّهَ﴾ ، يعني بذلك: الصلاة، والدعاء عند المشعر الحرام»([15])
11 ــ بعد رمي الجمرة الصغرىٰ والوسطىٰ: فقد كان النبي ﷺ بعد أن يرمي الجمرة الصغرىٰ والوسطىٰ في الحج يستقبل القبلة ويرفع يديه يدعو، وكان يطيل دعاءه([16]).
12 ــ يوم الجمعة: ففيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه([17])
وقد اختلف أهل العلم في هٰذه الساعة علىٰ أقوال كثيرة، أشهرها قولان([18])
الأول: من جلوس الخطيب علىٰ المنبر إلىٰ انصرافه من الصلاة
الثاني: من بعد العصر إلىٰ غروب الشمس
13 ــ ليلة القدر: وهي إحدىٰ ليالي العشر الأواخر من رمضان، وقد جاء في فضلها أن العبادة فيها خير من عبادة ألف شهر كما قال الله تعالىٰ: ﴿لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ [القدر]
14 ــ أثناء القتال: فقد جاء في حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «ثنتان لا تردان ــ أو قلما تردان ــ: الدعاء عند النداء، وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضاً»([19])
مسألة: حكم الدعاء بعد الصلاة
لم يكن من هدي النبي ﷺ الدعاء بعد الصلاة، قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله: «وعامة الأدعية المتعلقة بالصلاة إنما فعلَها فيها، وأمر بها فيها، وهٰذا هو اللائق بحال المصلي، فإنه مقبل علىٰ ربه، يناجيه ما دام في الصلاة، فإذا سلم منها؛ انقطعت تلك المناجاة، وزال ذلك الموقف بين يديه والقرب منه، فكيف يترك سؤاله في حال مناجاته والقرب منه، والإقبال عليه، ثم يسأله إذا انصرف عنه؟!
ولا ريب أن عكس هٰذا الحال هو الأولىٰ بالمصلي»([20])
([1]) أخرجه أحمد في «المسند» (11755، 12124، 13174)، وأبو داود في «السنن» (437)، والترمذي في «الجامع» (169)
([2]) وللتوسع ينظر: «صفة صلاة النبي ﷺ» للعلامة الألباني رحمه الله ص91 وما بعدها
([3]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (738)
([5]) «الجامع لأحكام القرآن» (4/38)
([6]) «تيسير الكريم الرحمٰن» (4/1708)
([7]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (1263) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
([8]) أخرجه الترمذي في «الجامع» (3509).
([9]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (924) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
([10]) أخرجه أحمد في «المسند» (21103)، وأبو داود في «السنن» (1301)
([11]) أخرجه أبو داود في «السنن» (2178) من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه
([12]) أخرجه ابن ماجه في «السنن» (1743)
([13]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (2137)
([14]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (2137)
([16]) أخرجه البخاري معلقاً مجزوماً به ــ كتاب الحج (1/523)، والنسائي (3033)
([17]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (935)، ومسلم في «صحيحه» (1406) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
([18]) ولعل الحكمة من إبهام هذه الساعة ــ وكذا ليلة القدر ــ هي الاجتهاد في الصلاة والدعاء في هذا اليوم؛ لنيل الفضل والثواب الجزيل، والله أعلم
([19]) أخرجه أبو داود في «السنن» (2178)، والدارمي في «السنن» (1246)، والحاكم في «المستدرك» (670)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (1/410)