آداب الدعاء
16-02-2023
إن للدعاء آداباً ينبغي لكل مسلم أن يتنبَّه إليها، وهي تحسينات جميلة، وفوائد لطيفة، فإذا دعا العبد ربه فحري به أن يُجَمِّل دعاءه بهٰذه الآداب، ومن أهم هٰذه الآداب
1 ــ الإخلاص التام لله: فلا يدخله ولا شيء يسير من الرياء، إخلاصٌ تام أثناء الدعاء، وإن كان أصل الإخلاص شرطاً في قبول الدعاء، ولكن الكلام عن الإخلاص التام الذي لا تشوبه شائبة
قال الله تبارك وتعالىٰ: ﴿ وَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ﴾ [الأعراف: 29]، وقال: ﴿ فَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ﴾ [غافر: 14]، وقال: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: 110]، وقال: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ﴾ [البينة: 5]
2 ــ إظهار الفقر والذل والحاجة إلىٰ الله: فلا يستشعرنَّ أحدنا أنه غير محتاج إلىٰ الله، فمهما رزقك الله من الأموال والأولاد والسلطان والجاه ومحبة الناس، وغير ذلك؛ فأنت ذليل، أنت عبد، أنت فقير إلىٰ ربِّ العزة تبارك وتعالىٰ، فلا بد للداعي أن يستشعر ذلك
3 ــ الثناء علىٰ الله: أن يتقدم الدعاء ثناءٌ علىٰ الله تبارك وتعالىٰ بما هو أهله، ومن الثناء عليه دعاؤه بأسمائه الحسنىٰ وصفاته العلىٰ، قال الله تعالىٰ: ﴿ وَلِلَّهِ ٱلْأَسْمَاءُ ٱلْحُسْنَى فَٱدْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: 180]، وقال: ﴿ قُلِ ٱدْعُوا ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُوا ٱلرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ ٱلْأَسْمَاءُ ٱلْحُسْنَى﴾ [الإسراء: 110]
وقد كان رسول الله ﷺ يدعو بأسماء الله وصفاته فيقول: «يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث»([1])، فقدَّم «يا حي يا قيوم» بين يدي هٰذا الدعاء، وهكذا جُلُّ أدعية النبي ﷺ
وعن أنس رضي الله عنه أنه كان مع رسول الله ﷺ جالساً، ورجل يصلي، ثم دعا «اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إلٰه إلا أنت المنان، بديع السمٰوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم»، فقال النبي ﷺ: «لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطىٰ»([2])
4 ــ استقبال القبلة: ولذلك لما كان النبي ﷺ في بدر، وحمي الوطيس، واشتد القتال، وبلغت القلوب الحناجر اتجه إلىٰ القبلة فدعا الله تبارك وتعالىٰ([3])، فمن السنة أن تستقبل القبلة في الدعاء
5 ــ الوضوء: من السنة كذلك أن تدعو الله وأنت علىٰ طهارة، وليس بواجب، ولكنه مستحب؛ لأنه ذكر، وذكر الله يستحب له الوضوء
6 ــ الصلاة علىٰ النبي ﷺ: وقد جاء في الحديث «إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتىٰ تصلي علىٰ نبيك ﷺ»([4])، وهٰذا الحديث وإن كان فيه ضعف إلا إنه جرىٰ عليه عمل السلف رحمهم الله تبارك وتعالىٰ من التابعين وأتباع التابعين، فكانوا يحرصون علىٰ الصلاة علىٰ النبي ﷺ بعد الانتهاء من الدعاء
7 ــ الإلحاح في الدعاء: فلا تقول: «اللهم اغفر لي»، وتكتفي، بل تُلِحُّ بالدعاء علىٰ الله تبارك وتعالىٰ، وذلك أن الإنسان إذا طرق الباب مرة واحدة قد لا يفتح له، ولكن يطرق ويطرق، ويكثر الطرق، ويوشك أن يفتح له([5])، فألح بالدعاء علىٰ الله، والله يحب العبد الملحاح الذي يلح علىٰ الله تبارك وتعالىٰ في طلب حاجته
8 ــ رفع اليدين: قال ﷺ: «إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم، ولا تسألوه بظهورها»([6])، فينبغي أن ترفع يديك حال دعائك، قال النبي ﷺ: «إن ربكم تبارك وتعالىٰ حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صِفْراً»([7])
وأما مسح الوجه بعد الدعاء: فلم يثبت عن النبي ﷺ، وإن كان قال به بعض أهل العلم، ولكنه لم يثبت عنه ﷺ، وكذلك في الجمعة لا يستحب رفع اليدين إذا دعا الخطيب، فقد كان النبي ﷺ يدعو ولم يكن أحدٌ من الصحابة يرفع يديه، ولا أمرهم بذلك ﷺ، ولو كان خيراً لسبقونا إليه.
9 ــ اختيار الأدعية الجامعة الكاملة: وهي التي كان يدعو بها النبي ﷺ
10 ــ تكرار الدعاء: فتعيد مرة بعد مرة، وبعض الناس يقول أنا أحفظ دعاءين فقط، فنقول كرر هذين الدعاءين، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلةُ القدر، ما أقول فيها؟ قال: «قولي: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو، فاعفُ عني»([8])، علَّمها هٰذا، وكانت تكرره، فلا بد من تكرار الدعاء واستشعار معناه، فلا بد من البحث عن معناه إن أشكل شيء، حتىٰ إذا دعوت ربك تدبرت ما تقول، فلا تتكلم بكلام لا تفهمه، وقطعاً لا تريده
11 ــ العزم في الدعاء: قال النبي ﷺ: «لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت ليعزم المسألة، فإنه لا مكره له»([9])
ومن هٰذا نسمع كثيراً من الناس إذا قال أحدهم لصاحبه: «أسأل الله أن يغفر لك»، فيرد عليه قائلاً: «إن شاء الله»!! قل: «آمين» اعزم في الدعاء، فإن الله لا يرد أحداً سبحانه وتعالى، ولا يرده شيء
12 ــ ابدأ بنفسك: فإن أردتَّ أن تدعو لغيرك؛ فابدأ بنفسك أولاً، فنفسك حقها عليك أعظم من حق غيرك، فادعُ لنفسك أولاً
13 ــ ادعُ وأنت موقن بالإجابة: أحسِنْ ظنك بالله، فإن الله عند ظن عبده به، فإن ظننت خيراً أعطاك الخير، وإن ظننت غير ذلك أعطاك غير ذلك، فأحسن الظن بالله
14 ــ تحري أوقات الإجابة: أن تحرص علىٰ أن تدعو الله سبحانه وتعالى في أوقات الإجابة، وسيأتي الكلام عليها
([1]) أخرجه الترمذي في «الجامع» (3358) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
([2]) أخرجه أحمد في «المسند» (12150)، وأبو داود في «السنن» (1277)، والنسائي في «السنن» (1283)
([3]) أخرجه مسلم في «صحيحه» (3309) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه
([4]) أخرجه الترمذي في «الجامع» (488) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه
([5]) قال أبو الدرداء رضي الله عنه: «من يكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له، ومن يكثر الدعاء يوشك أن يستجاب له» . أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (1150)
([6]) أخرجه أبو داود في «السنن» (1271) عن مالك بن يسار رضي الله عنه، وصححه الألباني
([7]) أخرجه أبو داود في «السنن» (1273)، والترمذي في «الجامع» (3479)، وابن ماجه في «السنن» (3855)، وصححه الألباني
([8]) أخرجه أحمد في «المسند» (24330)، والترمذي في «الجامع» (3435)، وابن ماجه في «السنن» (3840)، وصححه الألباني
([9]) أخرجه البخاري في «صحيحه» (5864)، ومسلم في «صحيحه» (4839) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه