إن للدعاء موانع، فإذا لم يتنبه المسلم لها؛ فإنه قد يدعو ويذهب دعاؤه أدراج الرياح، وكأنه لم يدعُ، فلا يستجاب له؛ لوجود موانع، فإذا لم يعرف المسلم هٰذه الموانع خسر خسارة عظيمة، وهو كما قال القائل

عَرَفْتُ الشَّرَّ لا لِلشَّرِّ وَلَكِنْ لِتَوَقِّيهِ

وَمَنْ لَمْ يَعْرِفِ الشَّرَّ مِنَ الْخَيْرِ يَقَعْ فِيهِ

  فمن هٰذه الموانع

  1 ــ أكل الحرام: إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً سبحانه وتعالى، والدعاء لا يكون طيباً أبداً من إنسان اعتاد علىٰ أكل الحرام ولبس الحرام، وقد ذكر النبي ﷺ رجلاً يطيل السفر أشعث أغبر يرفع يديه إلىٰ السماء يقول: «يا رب.. يا رب» افتقارٌ، وحاجةٌ، وذلٌ، وانكسار بين يدي الله تبارك وتعالىٰ «يا رب.. يا رب» تكرار، يرفع يديه إلىٰ السماء، كلها دلائل علىٰ أن دعاء هٰذا الرجل يستجاب، ولكن تأتي الموانع فتفسد هٰذا كله، إذ يقول النبي ﷺ: «ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنىٰ يستجاب لذلك»([1])، ولذلك جاء في الحديث الضعيف المبنىٰ الصحيح المعنىٰ أن النبي ﷺ قال لسعد بن أبي وقاص: «أطب مطعمك، تجب دعوتك»([2])، ومفهومه إذا لم يُطِبِ المرء طعامه، فإن الله لا يستجيب دعاءه

  2 ــ الدعاء بمحرم: كمن يدعو بعقوق والديه، أو قطيعة رحم، أو بظلم مسلم، فهٰذا لا يستجيب الله له سبحانه وتعالى

  3 ــ استعجال الإجابة: كما قال النبي ﷺ: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت، فلم يستجب لي»([3]) اصبر، فقد يكون صرف عنك من البلاء مثله، وقد يكون أخَّره إلىٰ يوم القيامة، ادعُ ودَعِ الأمر لله سبحانه وتعالى

  4 ــ السجع المتكلف: بحيث يشغله السجع عن حضور القلب في الدعاء، فيركز علىٰ السجع، ادع الله من قلبك، ما خرج من قلبك، بلهجة عامية، بلغة عربية، بلغة أجنبية، «والله ــ سبحانه ــ يعلم قصد الداعي، ومراده، وإن لم يقوم لسانه، فإنه يعلم ضجيج الأصوات باختلاف اللغات علىٰ تنوع الحاجات»([4])، ولكن ليكن الدعاء من القلب خالصاً لله، ودع عنك جلب الكلمات المتناسبة المتناسقة الرنانة، دعها عنك، لا تتكلف، احفظ جوامع الكلم التي نَطَقَ بها المعصوم ﷺ حتىٰ يحضر القلب في الدعاء، وأما إذا كان السجع غير متكلف، وكان سليقة فلا بأس

  قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «كما يكره تكلف السجع في الدعاء، فإذا وقع بغير تكلف؛ فلا بأس به، فإن أصل الدعاء من القلب، واللسان تابع للقلب»([5])

  وقال القرطبي رحمه الله: «ومنها أن يدعو بما ليس في الكتاب والسنة فيتخير ألفاظاً مفقرة، وكلمات مسجعة، وقد وجدها في كراريس، لا أصل لها ولا معول عليها فيجعلها شعاره، ويترك ما دعا به رسول الله ﷺ وكل هٰذا يمنع من استجابة الدعاء»([6])

 

([1])       أخرجه مسلم في «صحيحه» (1686) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه

([2])      أخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (6683) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما

([3])      أخرجه البخاري في «صحيحه» (5865)، ومسلم في «صحيحه» (4917) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه

([4])      «مجموع الفتاوى» (22/489)

([5])      المصدر السابق

([6])      «الجامع لأحكام القرآن» (7/226)