مراجعة الشيعي عبدالحسين رقم [68]

9 صفر سنة 1330 هـ

[1] نصوص الوصية متواترة عن أئمة العترة الطاهرة، وحسبك مما جاء من طريق غيرهم ما سمعته في المراجعة (20) من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أخذ برقبة علي: «هذا أخي ووصيي، وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا».

[2] وأخرج محمد بن حميد الرازي، عن سلمة الأبرش، عن ابن إسحاق، عن أبي ربيعة الأيادي، عن ابن بريدة، عن أبيه بريدة، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لكل نبي وصي ووارث، وإن وصيي ووارثي علي بن أبي طالب».

[3] وأخرج الطبراني في «الكبير» بالإسناد إلىٰ سلمان الفارسي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن وصيي وموضع سري، وخير من أترك بعدي، ينجز عدتي ويقضي ديني، علي بن أبي طالب».

وهذا نص في كونه الوصي، وصريح في أنه أفضل الناس بعد النبي، وفيه من الدلالة الالتزامية علىٰ خلافته، ووجوب طاعته، ما لا يخفىٰ علىٰ أولي الألباب.

[4] وأخرج أبو نعيم الحافظ في «حلية الأولياء» عن أنس، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يا أنس أول من يدخل عليك من هذا الباب إمام المتقين، وسيد المسلمين، ويعسوب الدين، وخاتم الوصيين، وقائد الغر المحجلين». قال أنس: فجاء علي، فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مستبشراً فاعتنقه، وقال له: «أنت تؤدي عني، وتسمعهم صوتي، وتبين لهم ما اختلفوا فيه من بعدي».

[5] وأخرج الطبراني في «الكبير» بالإسناد إلىٰ أبي أيوب الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «يا فاطمة، أما علمت أن الله عز وجل اطلع علىٰ أهل الأرض فاختار منهم أباك فبعثه نبياً، ثم اطلع الثانية، فاختار بعلك، فأوحىٰ إلي، فأنكحته واتخذته وصياً».

انظر كيف اختار الله علياً من أهل الأرض كافة بعد أن اختار منهم خاتم أنبيائه، وانظر إلىٰ اختيار الوصي وكونه علىٰ نسق اختيار النبي، وانظر كيف أوحىٰ الله إلىٰ نبيه أن يزوجه ويتخذه وصياً، وانظر هل كانت خلفاء الأنبياء من قبل إلا أوصياء هم، وهل يجوز تأخير خيرة الله من عباده ووصي سيد أنبيائه، وتقديم غيره عليه، وهل يصح لأحد أن يتولىٰ الحكم عليه، فيجعله من سوقته ورعاياه؟ وهل يمكن عقلاً أن تكون طاعة ذلك المتولي واجبة علىٰ هذا الذي اختاره الله كما اختار نبيه؟ وكيف يختاره الله ورسوله ثم نحن نختار غيره: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾  [الأحزاب: 36].

وقد تضافرت الروايات أن أهل النفاق والحسد والتنافس لما علموا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، سيزوج علياً من بضعته الزهراء ــ وهي عديلة مريم وسيدة نساء أهل الجنة ــ حسدوه لذلك وعظم عليهم الأمر، ولاسيما بعد أن خطبها من خطبها فلم يفلح، وقالوا: إن هذه ميزة يظهر بها فضل علي، فلا يلحقه بعدها لاحق، ولا يطمع في إدراكه طامع، فأجلبوا بما لديهم من إرجاف، وعملوا لذلك اعمالاً، فبعثوا نساء هم إلىٰ سيدة نساء العالمين ينفرنها، فكان مما قلن لها: أنه فقير ليس له شيء، لكنها عليها السلام لم يخف عليها مكرهن، وسوء مقاصد رجالهن، ومع ذلك لم تبد لهن شيئاً يكرهنه، حتىٰ تم ما أراد الله عز وجل ورسوله لها، وحينئذ أرادت أن تظهر من فضل أمير المؤمنين ما يخزي الله به أعداءه، فقالت: يا رسول الله زوجتني من فقير لا مال له؟ فأجابها صلى الله عليه وآله وسلم بما سمعت.

وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت        

                                                            أتاح لها لسان حسود

[6] وأخرج الخطيب في «المتفق» بسنده المعتبر إلىٰ ابن عباس، قال: لما زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة من علي، قالت فاطمة: يا رسول الله زوجتني من رجل فقير ليس له شيء؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أما ترضين أن الله اختار من أهل الأرض رجلين، أحدهما أبوك، والآخر بعلك؟».

[7] وأخرج الحاكم في «مناقب علي» ص129 من الجزء الثالث من «المستدرك» عن طريق سريج بن يونس، عن أبي حفص الأبار، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قالت فاطمة: يا رسول الله زوجتني من علي وهو فقير لا مال له؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: «يا فاطمة أما ترضين أن الله عز وجل، اطلع إلىٰ أهل الأرض فاختار رجلين، أحدهما أبوك والآخر بعلك». ـ

[8] وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أما ترضين أني زوجتك أول المسلمين إسلاماً، وأعلمهم علماً، وأنك سيدة نساء أمتي، كما سادت مريم نساء قومها، أما ترضين يا فاطمة أن الله اطلع علىٰ أهل الأرض فاختار منهم رجلين، فجعل أحدهما أباك، والآخر بعلك».

وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد هذا إذا ألم بسيدة النساء من الدهر لمم يذكرها بنعمة الله ورسوله عليها، إذ زوجها من أفضل أمته، ليكون ذلك عزاء لها، وسلوة عما يصيبها من طوارق الدهر، وحسبك شاهداً لهذا:

[9] ما أخرجه الإمام أحمد في (5/26) من «مسنده» من حديث معقل بن يسار: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عاد فاطمة في مرض أصابها علىٰ عهده، فقال لها: «كيف تجدينك؟». قالت: والله لقد اشتد حزني، واشتدت فاقتي، وطال سقمي. قال صلى الله عليه وآله وسلم: «أو ما ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلما؟». ـ

والأخبار في ذلك متضافرة لا تحتملها مراجعتنا، والسلام. «ش».