مراجعة الشيعي عبدالحسين رقم [64]

4 صفر سنة 1330 هـ

إنما أوردنا هذه النصوص لتحيطوا بها علماً، وقد رغبتم إلينا في ذلك. وحسبنا حجة عليكم ما قد أسلفناه من صحاحكم.

أما عدم إخراج تلك النصوص؛ فإنما هو لشنشنة نعرفها لكل من أضمر لآل محمد حسيكة، وأبطن لهم الغل من حزب الفراعنة في الصدر الأول، وعبدة أولي السلطة والتغلب الذين بذلوا في إخفاء فضل أهل البيت، وإطفاء نورهم كل حول وكل طول، وكل ما لديهم من قوة وجبروت، وحملوا الناس كافة علىٰ مصادرة مناقبهم وخصائصهم بكل ترغيب وترهيب، وأجلبوا علىٰ ذلك تارة بدراهمهم ودنانيرهم، وأخرىٰ بوظائفهم ومناصبهم، ومرة بسياطهم وسيوفهم، يدنون من كذب بها، ويقصون من صدق بها، أو ينفونه أو يقتلونه.

وأنت تعلم أن نصوص الإمامة، وعهود الخلافة لمما يخشىٰ الظالمون منها أن تدمر عروشهم وتنقض أساس ملكهم، فسلامتها منهم ومن أوليائهم المتزلفين إليهم، ووصولها إلينا بالأسانيد المتعددة، والطرق المختلفة؛ آية من آيات الصدق، ومعجزة من معجزات الحق، إذ كان المستبدون بحق أهل البيت والمستأثرون بمراتبهم التي رتبهم الله فيها، يسومون من يتهمونه بحبهم سوء العذاب، يحلقون لحيته، ويطوفون به في الأسواق، ثم يرذلونه ويسقطونه، ويحرمونه من كل حق، حتىٰ ييأس من عدل الولاة ويقنط من معاشرة الرعية.

فإذا ذكر علياً ذاكر بخير برئت منه الذمة وحلت بساحته النقمة، فتستصفىٰ أمواله، وتضرب عنقه، وكم استلوا ألسنة نطقت بفضله، وسملوا أعينا رمقته باحترام، وقطعوا أيدياً أشارت إليه بمنقبة، ونشروا أرجلاً سعت نحوه بعاطفة، وكم حرقوا علىٰ أوليائه بيوتهم، واجتثوا نخيلهم، ثم صلبوهم علىٰ جذوعها، أو شردوهم عن عقر ديارهم، فكانوا طرائق قدداً وكان في حملة الحديث وحفظة الآثار، قوم يعبدون أولئك الملوك الجبابرة وولاتهم من دون الله عز وجل، ويتزلفون إليهم بكل ما لديهم من تصحيف وتحريف، وتصحيح وتضعيف، كالذين نراهم في زماننا هذا من شيوخ التزلف، وعلماء الوظائف، وقضاة السوء، يتسابقون إلىٰ مرضاة الحكام، بتأييد سياستهم عادلة كانت أو جائرة، وتصحيح أحكامهم، صحيحة كانت أو فاسدة، فلا يسألهم الحاكم فتوىٰ تؤيد حكمه، أو تقمع خصمه، إلا بادروا إليها علىٰ ما تقتضيه رغبته، وتستوجبه سياسته، وإن خالفوا نصوص الكتاب والسنة، وخرقوا إجماع الأمة، حرصاً علىٰ منصب يخافون العزل عنه، أو يطمعون في الوصول إليه، وشتان بين هؤلاء وأولئك، فإنه لا قيمة لهؤلاء عند حكوماتهم.

أما أولئك فقد كانت حاجة الملوك إليهم عظيمة، إذ كانوا يحاربون الله ورسوله بهم، ولذا كانوا عند الملوك والولاة أولي منزلة سامية، وشفاعة مقبولة فكانت لهم بسبب ذلك صولة ودولة، وكانوا يتعصبون علىٰ الأحاديث الصحيحة إذا تضمنت فضيلة لعلي أو لغيره من أهل بيت النبوة، فيردونها بكل شدة، ويسقطونها بكل عنف، وينسبون رواتها إلىٰ الرفض ــ والرفض أخبث شيء عندهم ــ.

هذه سيرتهم في «السنن» الواردة في علي، ولاسيما إذا تشبث الشيعة بها، وكان لأولئك المتزلفين من يرفع ذكرهم من الخاصة في كل قطر، ولهم من يروج رأيهم من طلبة العلم الدنيويين، ومن المرائين بالزهد والعبادة، ومن الزعماء وشيوخ العشائر، فإذا سمع هؤلاء ما يقولون في رد تلك الأحاديث الصحيحة اتخذوا قولهم حجة، وروجوه عند العامة والهمج، وأشاعوه وأذاعوه في كل مصر، وجعلوه أصلا من الأصول المتبعة في كل عصر.

وهناك قوم آخرون من حملة الحديث في تلك الأيام، اضطرهم الخوف إلىٰ ترك التحديث بالمأثور من فضل علي وأهل البيت، وكان هؤلاء المساكين إذا سئلوا عما يقوله أولئك المتزلفون في رد «السنن» الصحيحة المشتملة علىٰ فضل علي وأهل البيت يخافون ــ من مبادهة العامة بغير ما عندهم ــ أن تقع فتنة عمياء بكماء صماء، فكانوا يضطرون في الجواب إلىٰ اللواذ بالمعاريض من القول، خوفا من تألب أولئك المتزلفين، ومروجيهم من الخاصة، وتألب من ينعق معهم من العامة ورعاع الناس، وكان الملوك والولاة أمروا الناس بلعن أمير المؤمنين، وضيقوا عليهم في ذلك، وحملوهم بالنقود، وبالجنود، وبالوعيد والوعود، علىٰ تنقيصه وذمه، وصوروه للناشئة في كتاتيبها بصورة تشمئز منها النفوس، وحدثوها عنه بما تستك منها المسامع، وجعلوا لعنه علىٰ منابر المسلمين من سنن العيدين والجمعة، فلولا أن نور الله لا يطفأ، وفضل أوليائه لا يخفىٰ، ما وصلت إلينا «السنن» من طريق الفريقين صحيحة صريحة بخلافته، ولا تواترت النصوص بفضله، وإني والله لأعجب من الفضل الباهر الذي اختص به عبده وأخا رسوله، علي بن أبي طالب، كيف خرق نوره الحجب من تلك الظلمات المتراكمة، والأمواج المتلاطمة، فأشرق علىٰ العالم كالشمس في رائعة النهار.

وحسبك ــ مضافاً إلىٰ كل ما سمعت من الأدلة القاطعة ــ نص الوراثة، فإنه بمجرده حجة بالغة، والسلام. «ش».