المشهور في نسبه عند أهل الكتاب والنسابين أنه لوط بن هاران بن تارح أو آزر على الصحيح، فإبراهيم صلوات الله وسلامه عليه يكون عماً له؛ لأن إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه هو ابن آزر كما جاء مصرحاً به في كتاب الله ــ جل وعلا ــ.

لوط صلوات الله وسلامه عليه ذُكِرَ في القرآن سبعاً وعشرين مرة، وقد ذكر الله تبارك وتعالى أنَّ إبراهيم لما دعا إلى الله ــ جل وعلا ــ لم يؤمن به قومه، بل كفروا به وعادوه، وما آمن معه إلا قليل، وكان ممن آمن به لوط عليه السلام: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي﴾، فهاجر إبراهيم بأهله، وهاجر معه لوط ابن أخيه، ويقال له: لوطُ، لوطٌ؛ أي: يصرف ولا يصرف، كما هو الحال في هود، فيقال: رأيت لوطَ، ويقال: رأيت لوطاً.

بعثة لوط عليه السلام:

بُعث نبي الله لوط إلى قوم بلغوا غاية السفه، والجهل، وقلة الحياء، ودناءة الأخلاق، وكانوا يجمعون إلى الانحطاط في الأخلاق ممارسة المنكرات التي تستقبحها ولا ترتضيها الفطر السليمة، وذلك أن الله ــ جل وعلا ــ خلق الإنسان وجعله ذكراً وأنثى، وجعل في الذكر ميلاً إلى الأنثى، وجعل في الأنثى ميلاً إلى الذكر، وجعل في تركيب الذكر، وتركيب الأنثى قابلية لاجتماعهما مع بعض، وجعل منهما النسل، وقد يحدث أن يشذ بعض الناس عن هذه القاعدة، فيميل الذكر إلى الذكر، وتميل الأنثى إلى الأنثى، ولذلك يقال عنهم: (شواذ)؛ لأنهم خارجون عن القاعدة، خارجون عمّا عليه عامة الناس، أما أن يشذّ المجتمع كله، فهذا هو الشيء الغريب، وهذا هو الذي أنكره لوط عليه السلام وقومه، وهذا الشذوذ لا شك أنه مدعاة لانتشار الأمراض، وفساد المجتمعات، بل انقراضها.

قال عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي: لولا أن الله ذكر ذلك في القرآن ما ظننتُ أن ذكراً ينزو على ذكر لكن لما ذكره الله في القرآن علمت أنه حق.

قال الله ــ جل وعلا ــ عن قوم لوط: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَٱتَّقُوا ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ أَتَأْتُونَ ٱلذُّكْرَانَ مِنَ ٱلْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾   هذه دعوة لوط صلوات الله وسلامه عليه.

يُخبر الله ــ جل وعلا ــ أن قوم لوط كذّبوا المرسلين، وقد ذكرنا في قصة نوح وهود وصالح أنه من كذب رسولاً واحداً فهو كمن كذّب جميع الرسل، ولذلك قال الله ــ جل وعلا ــ عن قوم نوح: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ٱلْمُرْسَلِينَ﴾   مع أن نوحاً هو أول رسول، وقال الله عن قوم لوط هنا: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلِينَ﴾، طالما أنهم كذبوا لوطاً؛ إذاً كذبوا إبراهيم، وكذبوا نوحاً، وكذبوا موسى، وعيسى، وكذبوا جميع المرسلين.

قال الله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ﴾ وهذه أخوة الطين؛ لأن الأخُوَّة أخوتان: أخوة الطين وأخوة الدين، فأخوة الطين ينسبها الله تبارك وتعالى للمرسلين مع أقوامهم، وأما أخوة الدين فهي لا تكون إلا بين المؤمنين ﴿إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾   هذه أخوة الدين، وهنا قال: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾، أمين فيما أقوله وأدعو إليه من عند الله تبارك وتعالى، فلا أزيد ولا أنقص ولا أكذب على الله ــ جل وعلا ــ، ﴿فَٱتَّقُوا ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾، وهكذا جميع المرسلين، ما سألوا أحداً أجراً أبداً، وإنما أجرهم على رب العالمين سبحانه وتعالى.

ثم قال لهم: ﴿أَتَأْتُونَ ٱلذُّكْرَانَ مِنَ ٱلْعَالَمِينَ﴾   إذاً جمعوا كفراً وأموراً شنيعة أخرى، ﴿أَتَأْتُونَ ٱلذُّكْرَانَ مِنَ ٱلْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾، وهذا مصداق لقول الله تبارك وتعالى في وصف المؤمنين: ﴿وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ٱبْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ﴾   قال لهم لوط صلوات الله وسلامه عليه: ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾   ترى ماذا كان جواب قومه؟ ﴿قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَالُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُخْرَجِينَ﴾   وتالله لقد جاؤوا بحجة غريبة لإخراج رسولهم: ﴿أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾، جريمة لوط وجريمة أهله أنهم أناس يتطهرون، أناس لا يتدنسون ولا يخوضون الوحل الذي خاضه قومهم، فصار ذلك مدعاة لذمهم، فجعلوا غاية المدح ذماً، بل ــ والله ــ لا يُمدح في قوم لوط إلا لوط وأهله الذين امتنعوا عن هذه الفاحشة، وهذا دليل على فساد الفطرة عند قومه، وما دفعهم إلى ذلك إلا اللجاج والعناد ــ والعياذ بالله ــ، فكان الله ــ جل وعلا ــ في عون المصلحين من الأنبياء والدعاة، كيف يتهم المصلح بمثل هذه التهم ﴿إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾  .

غاية القبح والفحش في قوم لوط عليه السلام:

جمع قوم لوط معاصٍ كثيرة، أول معصيةٍ هي الكفر بالله ــ جل وعلا ــ والكفر بلوط صلوات الله وسلامه عليه، ولذلك قال الله ــ جل وعلا ــ عنهم: ﴿وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَٱلْمُؤْتَفِكَاتُ بِٱلْخَاطِئَةِ فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً﴾، والمؤتفكات هم قوم لوط، وسموا بالمؤتفكات لقلب بلدهم عليهم، من الإفك وهو قلب الخبر عن وجهه الصحيح إلى الوجه الباطل.

إذاً جريمتهم الأولى التي بها كفروا وعُذّبوا هي الكفر بالله ــ جل وعلا ــ، ولكنهم جمعوا مع هذه الجريمة الكبرى جرائمَ أخرى كبيرة، ولكنها ــ لا شك ــ أصغر من هذه الجريمة العظمى، ومن هذه الجرائم التي لم يسبقوا إليها، وصاروا مثلاً فيها ما قال لهم نبيهم لوط، صلوات الله وسلامه عليه: ﴿أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ﴾، وهي الفاحشة التي عُرفوا بها، يأتون الرجال دون النساء، قال: ﴿وَتَقْطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ﴾، يقطعون الطريق على المسافرين بقتلهم، وأخذ أموالهم، والاعتداء عليهم، قال: ﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلْمُنْكَرَ﴾   ذهب كثير من المفسرين إلى أنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم، ولا يستحيون من ذلك، كما هو فعل الكفار الآن، في الغرب يتضارطون في مجالسهم ولا يأبه أحد لأحد، وقال آخرون من أهل التفسير عن إتيانهم في ناديهم المنكر، قالوا: عموم المنكرات من الأقوال والأفعال الشائنة([1]).

وذُكِرَ من فساد أخلاقهم ما جاء أن أحدهم ــ ويقال له: لعازر ــ ضُرب بحجر فذهب إلى القاضي يشتكي، وأمسك الذي ضربه، وقال: هذا ضربني بحجر، فشج وجهي. فقال الضارب: بل أنا الذي أشتكي أريد مالاً عوضاً على ضربي له، فنظر القاضي، فقال: نعم عوِّضْه!! انتكاسةٌ تامة، هذا القضاء عندهم، فقال: أهكذا حكمك؟ قال: نعم، فأخذ حجراً وضرب القاضي، فشج وجهه، قال: خُذ حسابك منه، ثم خرج وترك القاضي والمجرم الذي معه، بل ترك المجرمين معاً.

إرسال الملائكة بالعذاب إلى قوم لوط عليه السلام:

ذكر الله ــ جل وعلا ــ أنه أرسل الملائكة إلى لوط صلوات الله وسلامه عليه، ومرَّتْ هذه الرسل على إبراهيم في طريقها إلى لوط، وبشرته بإسحاق، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ٱلْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ فَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُونَ قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ﴾   يعنون: قوم لوط صلوات الله وسلامه عليه، وقالوا: ﴿إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ ٱلْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ * قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ﴾ [العَنكبوت: 31-32] فترك الملائكة نبي الله إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه، واتجهوا إلى قرية لوط.

وذُكِرَ أنهم لما قالوا: ﴿إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ ٱلْقَرْيَةِ﴾   قال لهم إبراهيم: أتهلكون قريةً بها خمسون مسلماً؟ قالوا: لا. قال: أتهلكون قرية فيها أربعون مسلماً؟ قالوا: لا. قال: أتهلكون قرية فيها عشرة من المسلمين؟ قالوا: لا. قال: أتهلكون قرية فيها مسلمٌ واحد؟ قالوا: لا. قال: فإن فيها لوطاً، قالوا: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ﴾  ([2])، ثم قيل له: ﴿يَاإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾   حُسِمَ الموضوع ﴿وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ﴾   فسكت إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه.

وانطلقت الرسل إلى لوط صلوات الله وسلامه عليه، ودخلوا القرية، قيل: إنهم وجدوا ابنته، فاستغربتهم، وقالت: من أنتم؟ قالوا: ضيوف، قالت: مكانكم، وكانت تعلم أن قومها يعملون الفاحشة في الرجال، فذهبت إلى أبيها، فقالت: يا أبتِ إني رأيت رجالاً حسان الوجوه، ليسوا من أهل هذه البلد، وإني أخاف عليهم من أهل بلدنا، فانظر في حالهم، فذهب إليهم لوط صلوات الله وسلامه عليه، وقال: ما جاء بكم، وبدأ يذكر لهم أن هذه البلد أهلها خبيثون لا يحسنون استقبال الضيوف، ولم يُصرح لهم بما يفعله أهل هذه البلد، ولذلك قال الله ــ جل وعلا ــ: ﴿وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾   وليست هذه عادة الأنبياء مع ضيوفهم، ولكن الأمر أعظم من ذلك، أعظم من أن يكونوا مجرَّد ضيوف، بل إن لوطاً سيء بهم لما يخاف عليهم من اعتداء قومه على أعراضهم، ضاق صدره صلوات الله وسلامه عليه، ﴿وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾، والمشهور أن هؤلاء الضيوف هم جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، تصوروا بصورة البشر، وكانوا حسان الوجوه، وهكذا الملائكة إذا تشكلت بصورة البشر؛ فإنها تتشكل بصور حسنة، والشياطين تتشكل بصور قبيحة، وكان قوم لوط قد نهوه عن الضيوف، وهذا يدلنا على أمر عظيم، ألا وهو أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم لا يعلمون الغيب، وإلا كان لوط علم أن هؤلاء ملائكة.

أدخل لوط ضيوفه إلى البيت، ثم جاءه قومه يُهرعون إليه، ﴿أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ﴾   أما قلنا لك لا تضيف أحداً.

قال الله ــ جل وعلا ــ: ﴿وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ﴾   يُهرعون: مسرعون، كيف عرفوا؟

قالوا: أخبرتهم زوجته، وهذه خيانتها للوط، خانته في الدين، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا ٱمْرَأَةَ نُوحٍ وَامَرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا﴾، الخيانة في الدين، وكانت إذا رأتْ مثل ذلك أشعلتْ ناراً حتى يعلم قومها بوجود أولئك الضيوف، فهذه خيانتها للوط، خانته في الدين، ولم تخنه في عرضه، فإن الله ــ جل وعلا ــ حمى الأنبياء من أن تلطخ أعراضهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ قَالَ يَاقَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَٱتَّقُوا ٱللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾   لو أن لي بكم قوة أدفعكم بها أو آوي إلى ركن شديد.

واختلف في معنى ﴿أَوْ﴾ في هذه الآية على قولين:

القول الأول: أنها على ظاهرها، ويكون التقدير: (لو أني أجد قوة أدفعكم بها أو تكون هناك قبيلة)، ركن شديد آوي إليه، يدفع عني شركم.

القول الثاني: أنها للإضراب بمعنى «بل»، كما في قول الله تعالى عن الكفار: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾   بمعنى: بل أشد قسوة، ولذلك ذكر فضل الحجارة على قلوبهم، قال: ﴿وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ﴾   ويكون كذلك قول لوط صلوات الله وسلامه عليه: ﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً﴾   أي: أدفعكم بها، ثم رجع وقال: بل آوي إلى ركن شديد، وهو الله سبحانه وتعالى، وهذا من تمام يقينه بالله ــ جل وعلا ــ، وتوكله عليه.

هؤلاء بناتي:

وفي قوله: ﴿هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾   لأهل العلم فيها ثلاثة أقوال:

القول الأول: أراد بناته لصلبه، يعني خذوا بناتي لصلبي، ولا تأخذوا ضيوفي؛ لأن هذا هو ظاهر القرآن، ﴿هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾، تزوجوا بناتي، ولا يريد ازنوا ببناتي، فإن الإنسان يموت في الدفاع عن عرضه، فكيف بنبي كريم، ولكن كأنه أرشدهم إلى الحلال الطاهر، ويدل على هذا أن النبي محمداً ﷺ قبل بعثته زوج بناته لكافرين: فزوج رقية وأم كلثوم لعتبة وعتيبة ابني أبي لهب، قالوا: ولعل هذا في شرع من قبلنا، أي في شرع لوط كان يجوز للمؤمنة أن تتزوج الكافر، ومع أن لوطاً لم يكن له بنات كثيرات، وإنما أراد أن يتزوج بناته رؤساء القوم.

القول الثاني: أنه أراد بنات القرية، بشكل عام، كما في قول الله ــ جل وعلا ــ: ﴿ٱلنَّبِيُّ أَوْلَى بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾، وجاء في قراءة ابن مسعود: «وهو أب لهم»([3])، فيريد ببناته؛ أي: بنات القرية؛ لأن النبي هو أبو أهل القرية، واستدلوا على ذلك بأن النبي لا يزوج بناته لكفار، ثم كذلك المشهور أن لوطاً له ابنتان، وقيل: ثلاث بنات، وهل تكفي ابنتان أو ثلاث لجميع أهل القرية؟!

القول الثالث: وهو أنه لا يريد أن يزوجهم بناته، ولكنه قالها من باب الإلزام، قالوا: كمثل أن يضرب رجلٌ رجلاً فتأتي للضارب ــ وهو يحترمك ويقدرك ــ فتقول له: لا تضربه، فيستمر في ضربه، فتقول لا تضربه اضربني أنا، وأنت تعلم علم اليقين أنه لن يضربك لمكانتك عنده، فتقول اضربني أنا إن كنت لابد فاعلاً، ولذلك قالوا: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ﴾، لماذا تقول هؤلاء بناتي؟ وأنت تعلم علم اليقين أنه ليس لنا في بناتك من حق، وهذا لعله أقرب الأقوال في هذه المسألة، وهو كما قال نبي الله سليمان صلوات الله وسلامه عليه لما اختلفتْ امرأتان في طفل، وكل واحدة تقول هذا ولدي، فقال سليمان: «أقطعه بنصفين لهذه نصف، ولهذه نصف» هو لا يريد قطعه، ولكن أراد أن يختبر رَدَّة فعل المرأتين، فقالت الكبرى: «نعم اقطعوه، وقالت الصغرى: لا تفعل هو لها»([4])، فهو لا يريد قطعه، وإنما أرادها من باب الإلزام([5])، فكذلك هنا يكون لوط صلوات الله وسلامه عليه إنما قال هذا الكلام من باب الإلزام، لا من باب التقرير.

لو أن لي بكم قوة:

قال الله تعالى حكاية عن لوط عليه السلام: ﴿لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾   فيها قولان للمفسرين:

القول الأول: إنه يخاطب الملائكة ــ الضيوف ــ لما حوصر في بيته، وأراد قومه أن يكسروا الباب عليه، التفت إلى ضيوفه، وقال: لو أن لي بكم قوة لكنت رددتهم، لكنت منعتهم.

القول الثاني: أنه كان يخاطب قومه.

قال ﷺ: «ويرحم الله لوطاً، لقد كان يأوي إلى ركن شديد»([6])، يعني: الله عز وجل.

قال الله تعالى: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾   حاول لوط صلوات الله وسلامه عليه أن يستثير في قومه النخوة، فقال: ﴿فَٱتَّقُوا ٱللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي﴾، والخزي هو: فضح الإنسان أمام الناس، ﴿أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ﴾   واحد فقط يمنع القوم، يردُّهم، يدافع، يتكلم، وهذا يدل على أن المجتمع كان فاسداً كله، ﴿أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ﴾ وهو كما قيل:

تُجاب لو ناديت حياً                      ولكن لا حياة لمن تنادي

والغريب أن أولئك الضيوف مع هذا الحديث الذي كان يدور بين لوط وقومه والخوف الذي اعترى لوطاً صلوات الله وسلامه عليه، وقوله: ﴿هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾، وقومه يطرقون عليه الباب ﴿أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ﴾   سَلِّم إلينا هؤلاء الرجال، ﴿فَٱتَّقُوا ٱللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي﴾، والضيوف في منتهى الهدوء، لا يهتمون إلى ما يجري بين لوط وقومه صلوات الله وسلامه عليه، وكأن الأمر لا يعنيهم.

وهنا التفتَ الضيوف إلى نبي الله لوط، وقالوا: ﴿يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ﴾   اطمئن، ولذلك كلما ضاق الأمر، واشتدت المحنة جاء الفرج من الله، بل يأتي الفرج كالغيث ينزل على الأرض بعد أن اشتدتْ حاجتها إليه، وفي الآية الأخرى قالوا: ﴿لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا ٱمْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ﴾  .

نزول العذاب على قوم لوط:

لما حاولوا كسر الباب والدخول عليه خرج إليهم جبريل صلوات الله وسلامه عليه، فضرب وجوههم بطرف جناحه، فطمس أعينهم، فصاروا يتدافعون، ويصطدم بعضهم ببعض بالجدر لا يدرون أين يذهبون، ثم رجعوا إلى بيوتهم، وهددوا لوطاً وقالوا: نأتيك غداً، انصرفوا وهدأتِ الأمور، واطمأن نبي الله لوط صلوات الله وسلامه عليه، قالت له الملائكة: ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ ٱللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا ٱمْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾  .

وهنا قولهم: ﴿أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾، ذُكِرَ أن لوطاً صلوات الله وسلامه عليه بعد هذه المحنة الشديدة قالت له الملائكة: ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ ٱللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا ٱمْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾ قال لهم لوط: «فالآن؟»، فقالت له الملائكة، ﴿أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾ ؛ لأن الأمر ليس بيد الملائكة، فهم رُسل، والأمر لله من قبل ومن بعد سبحانه وتعالى.

وفي قول الله تعالى: ﴿وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا ٱمْرَأَتَكَ﴾، فيها قراءتان:

القراءة الأولى: بالفتح ﴿إِلَّا ٱمْرَأَتَكَ﴾، فيكون الاستثناء منقطعاً، والمعنى (فأسر بأهلك إلا امرأتك) اتركها.

القراءة الثانية:قراءة الضم (إِلَّا امْرَأَتُكَ) فيكون معنى الآية: إلا امرأتك فلتلتفت، فتكون بدلاً من ﴿أَحَدٍ﴾، ﴿وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا ٱمْرَأَتَكَ﴾ فلتلتفت، فأُخذت.

والمشهور أنه خرج بأهله، وخرجتْ معه امرأته، ثم لما كانت الصيحة التفتتِ امرأته، فأُخذتْ مع قومها، ولكن قراءة الفتح أشهر، بدليل قول الله تبارك وتعالى: ﴿فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ﴾   وامرأة لوط ليست من المؤمنين، ولم تخرج معهم، إذاً هذا يظهر منه أنه قراءة الفتح أي: (فأسر بأهلك إلا امرأتَك) لا تسر بها، لا تأخذها معك، وجاء في آية أخرى: ﴿وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ﴾، ولم يذكر المرأة، فدل على أن المرأة لم تخرج أصلاً مع لوط، بل بقيت مع قومها لما أراد أن يهاجر من البلد قالت: لا أريد أن أخرج معك، وهذا أيضاً من خيانتها له؛ لأنها على دين قومها قبحها الله.

قال الله عز وجل: ﴿فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا﴾   أي: بعد أن خرج لوط، وخرج معه أهله، وهنّ بناته، قال الله ــ جل وعلا ــ: ﴿جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا﴾، ولذلك سمّيت المؤتفكة، التي قُلبت رأساً على عقب، قال: ﴿جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ﴾، والسجيل هو الحديد الشديد، ﴿﴾   حجارة وراء حجارة، حجارة وراء حجارة، ﴿مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ﴾   على كل حجر اسم رجل منهم.

قال الله ــ جل وعلا ــ: ﴿وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾  .

كيف فعل الله بهم؟

قيل: إن جبريل ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ رفع القرية كلها عن وجه الأرض بجناحه حتى بلغ بها السماء الدنيا، وسمع أهل السماء الدنيا نباح الكلاب، وصياح الدِّيَكَة، ثم قلبها، ثم جاءتها الحجارة، ولذلك قال ــ جل وعلا ــ: ﴿وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى﴾   أي: رفعها ثم أهوى بها إلى الأرض، وقوله ــ جل وعلا ــ: ﴿وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾   ما المقصود بــ﴿هِيَ﴾ ؟

المعنى الأول: أي: أن هذه الفعلة بقوم لوط ليست ببعيدة على مَنْ يفعل مثل فعلهم؛ لنفعلن بهم كما فُعل بقوم لوط.

المعنى الثاني: أي: القرية من الظالمين ببعيد، كما قال الله ــ جل وعلا ــ: ﴿وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا﴾   يعني: هذه القرية ليست بعيدة من الظالمين، بل يرونها ويعرفونها ويعرفون ماذا حل بأهلها.

حكم تسمية فعلهم الخبيث باللواط:

هل يجوز أن نقول: إن ما فعله قوم لوط «لواطاً»، كما يسميه كثير من الناس؟

الصحيح أن هذه التسمية خطأ، وقد كان شيخنا أبو عبد الله محمد بن صالح العثيمين ــ رحمه الله تعالى ــ يُنكر هذه التسمية، ويقول: من الخطأ أن نسميه لواطاً، بل نسميه كما سماه الله تبارك وتعالى، ونقول: «عمل قوم لوط» وكما سماه النبي ﷺ، أما أن تنسب إلى لوط فهذا خطأ، خطأ من حيث اللغة، وخطأ من حيث الشرع، بل وخطأ من حيث العقل:

أما خطؤها من حيث اللغة: لأن اللواط في اللغة الإصلاح، لاط يلوط لوطاً؛ أي: أصلح الشيء ولذلك أخبر النبي ﷺ أن الساعة عندما تقوم، أول من يُصعق رجلٌ كان يلوط حوضه([7])؛ أي: يصلح حوضه.

ثم كذلك اسم لوط اسم طيب؛ أي: المصلح، وعندما نقول هذا لوطي أو هذا يلوط أو هذا لواط، هذا مثل تسمية الخمر مشروبات روحية، أو الربا فائدة، بل اللواط الإصلاح، واللوطي المصلح.

وأما الخطأ من حيث الشرع: لأنه يُنسب هذا إلى لوط، ولوط بريء من ذلك، بل هو الذي كان ينهى عن هذه الفعلة الشنيعة، فصارت تنسب إليه!!

وأما الخطأ من حيث العقل: أنت الآن هل تأنف أن يقال لك: «محمدي»، لا تأنف، بالعكس تفرح أن يقال لك: محمدي أي: أنك تابع لمحمد صلوات الله وسلامه عليه، ولكن يأنف الكثير أن يقال له: «لوطي» أي: نسبة إلى لوط، أو نسبة إلى اللواط، بل نسبة إلى لوط كما يقال: عيسوي، وموسوي، وإبراهيمي.

فالصحيح أن تسمية هذا الفعل الشنيع لواطاً خطأ، بل جاء في الحديث: «من رأيتموه يعمل عمل قوم لوط»([8])، ولم يقل: من رأيتموه يلوط أو يلاط به، فهي خطأ من حيث اللغة، وخطأ من حيث الشرع، وخطأ من حيث العقل كذلك([9]).

انتشار الفواحش:

من نظر في واقع الناس اليوم يجد أن الليلة تُشبه البارحة، وقد انتشر هذا الفعل الآن في كثير من المجتمعات، ويذكر هؤلاء الشواذ جنسياً في إحصائياتهم أن عددهم يبلغ ستمئة مليون شخص، يفتخرون الآن على وجه الأرض بأنهم شواذ جنسياً ــ والعياذ بالله ــ، وهذه بعض الإحصائيات:

ــ 64٪ من المصابين بمرض الإيدز هم من هؤلاء الشاذين جنسياً.

ــ 60٪ من هؤلاء مصابون بأمراض جنسية أخرى كالهربس وغيره.

ــ متوسط أعمارهم مع أعمار غيرهم، هم أقل عمراً من غيرهم من الناس بخمس وعشرين سنة.

ــ متوسط وفياتهم في الخامسة والثلاثين.

ــ عدد الزيجات الرسمية بين رجل ورجل بلغت ألف زواج رسمي.

ــ وأما الذين يعيشون ذكر مع ذكر بدون ورقة فهم ثلاثة ملايين.

هذه انتكاسة بالفطرة لا شك، بل إن هذا الفعل تعافه حتى الحيوانات، وقد ذُكر أن الحيوانات لا يمكن أبداً أن ينزو ذكر على ذكر، وقد ذكر الجاحظ أنه لم يُعرف في الحيوانات أنه ينزو ذكر على ذكر إلا في الحمير والخنازير، فهي التي فيها ينزو الذكر على الذكر، أما في غيرها من الحيوانات فلا ينزو الذكر على الذكر.

حكم من وقع في هذه الفاحشة:

حكى شيخ الإسلام ابن تيمية الإجماع من الصحابة وغيرهم أن من فعل هذا الفعل يُقتل، وإن كانوا اختلفوا في صفة القتل:

فَنُقِلَ عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: يُرمى من شاهق، كما فُعِلَ بقوم لوط، رُفعت قريتهم ثم أُهوي بها.

وقال علي: يهدم عليه حائط.

وقال ابن عباس: يقتل بالحجارة، الفاعل والمفعول به رجماً، كما يفعل بالزناة([10]).

ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: «وهذه الجريمة أشنع من الزنا؛ لأن وطء من لا يباح بأي صورة من الصور أشدُّ عند الله من وطء من يباح في بعض الصور»؛ لأن هذه الزانية قد تتوب ويتوب ويتزوجها ويجوز له أن يطأها، لكن بأي حال من الأحوال لا يجوز أبداً أن يطأ رجل رجلاً.

الدروس والعبر المستفادة من قصة لوط عليه السلام

أولاً: شناعة جريمة قوم لوط.

ثانياً: إذا انتكست الفطرة؛ فإنها ترى القبيح حسناً، وتصير الجريمة أمراً مألوفاً.

ثالثاً: صبر لوط صلوات الله وسلامه عليه، على قومه.

رابعاً: اللجوء إلى الله عندما قال: ﴿أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾   إذا قلنا إن «أو» بمعنى «بل»، أي للإضراب.

خامساً: سقوط الأخلاق سبب لنهاية المجتمعات كما قيل:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت                   فإن هُمُ ذهــبت أخلاقهم ذهبوا

سادساً: أن قوم لوط لم يُسبقوا في هذه الفاحشة، فهم أول من أظهر هذه الفاحشة، قال الله ــ جل وعلا ــ: ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ ٱلْعَالَمِينَ﴾  .

سابعاً: كرم لوط، ورعايته لضيوفه، ومدافعته عنهم صلوات الله وسلامه عليه.

ثامناً: أن الزوجة لا شأن لها بزوجها إذا كانت على دين يخالف دينه، بل إن هذا لا يراعى عند الله تبارك وتعالى، بل الرعاية عند الله ــ جل وعلا ــ للمؤمنين.

 

 

([1])       انظر: «تفسير الطبري» (2/29 ــ 31)، و«تفسير ابن كثير» (6/276).

([2])      «تفسير البغوي» (4/190)، و«تفسير ابن كثير» (4/335).

([3])      انظر: «تفسير الطبري» (20/209)، و«تفسير ابن كثير» (6/381).

([4])      أخرجه النسائي في «السنن» (5309).

([5])      وسيأتي في قصة سليمان عليه السلام.

([6])      أخرجه البخاري (3372)، ومسلم (151).

([7])       أخرجه مسلم (2940).

([8])      أخرجه أبو داود (4462)، والترمذي (1456)، وابن ماجه (2561).

([9])      انظر للأهمية: «معجم المناهي اللفظية» للشيخ بكر أبو زيد رحمه الله ص476 ــ 480.

([10])    انظر كلام العلماء في حد من عمل عمل قوم لوط في: «الموسوعة الفقهية» (2/13029).