قصة إسحاق ويعقوب عليهما السلام
26-02-2023
ولد لإبراهيم على المشهور ولدان من الأنبياء، وقيل: إن له أولاداً كثر، والعلم عند الله ــ جل وعلا ــ، ولكن ذكر الله تبارك وتعالى ولديه إسماعيل وإسحاق، وقد تقدم الحديث على إسماعيل، أما إسحاق فقد وُلِدَ لإبراهيم على كبر، ولما جاءت الملائكة تبشر إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه بإسحاق قال: ﴿أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ ٱلْكِبَرُ فَبِمَ تُبْشِّرُونَ﴾، فبشَّروه بإسحاق، وزوجة إبراهيم سارة ﴿فَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ﴾ سببان مانعان للولادة والحمل، كِبَرٌ وعُقْمٌ، قالوا: ﴿أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ﴾ هذا أمر الله ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ أليس الله تبارك وتعالى خلق آدم دون ذكر ولا أنثى؟ وخلق حواء من غير أنثى؟
فالأمر عند الله تبارك وتعالى لا يحتاج إلى كبير مشقة ولا إلى قليل.
ولد إسحاق لإبراهيم صلوات الله وسلامه عليه، ولم يُذكر كذلك كبيرُ حديثٍ عن إسحاق، والظاهر ــ والعلم عند الله ــ أنه كان نبياً على دين أبيه إبراهيم، وعلى شريعته كذلك، وهو نبي كريم، ولكن ليس هناك أي تفصيل عن حياته ودعوته، وإنما ذُكِرَ ذكراً صلوات الله وسلامه عليه.
وذُكِرَ كذلك إنه وُلِد لإسحاق ولدان: يعقوب والعيص، ويقال له: عيصو.
قصة باطلة:
وذكرت قصة في كتب بني إسرائيل، ونقلها البعض نذكرها لأنهم ذكروها ثم نبين فسادها:
ذكروا أن إسحاق كان قد عمي، وكان يحب ولده العيص أكثر من يعقوب، وكانت الأم على العكس تحب يعقوب أكثر، فطلب إسحاق من العيص أن يأتيه بجدي مشوي ليأكل منه، فخرج العيص يصطاد الجدي لأبيه، وهنا استغلت الأم الفرصة، فقالت لولدها يعقوب: خذ جدياً من الحظيرة واذبحه لأبيك واشوهِ حتى يباركك بدل العيص، فقام يعقوب وأخذ الجدي وذبحه وشواه وقدمه لأبيه، وكان العيص مُشْعِراً([1])، ولم يكن يعقوب كذلك، فلبس ثوباً من شعر حتى لا يشعر به أبوه، فقدم الجدي لأبيه، فقال له أبوه: من أنت؟ قال: ولدك العيص، فلمسه ثم قال له: الصوت صوت يعقوب، واللمس لمس العيص، ثم دعا له وباركه.
وبعدها جاء العيص بالجدي، فشواه وقدمه لأبيه، فقال له: ما هذا؟ قال: يا أبتِ هذا الجدي الذي طلبته، قال: ألستَ جئتَ به؟! قال: أبداً ما جئت به إلا الآن.
قال: بلى جئتَ به وأكلتُه، قال: ما جئت به إلا الآن، فعرف العيص أن أخاه يعقوب قد خانه في هذه.
ولا شك أن هذه القصة مكذوبة باطلة؛ لأن فيها اتهاماً ليعقوب بالكذب والخديعة، ولأن فيها اتهاماً لإسحاق بالغفلة، وكذلك فيها اتهام للأم بالخيانة والغدر، وليس أمرهم كذلك صلوات الله وسلامه عليهم أبداً.
بيت إيل:
ذهب يعقوب عليه السلام إلى خاله لابان في حرّان، وقبل أن يصلَ إليه أدركه الليل في الطريق، فوضع حجراً ونام عليه، فرأى رؤيا في المنام، رأى الله ــ جل وعلا ــ في المنام، وأن الله ــ جل وعلا ــ يقول له: «سأبارك عليك، وأكثر ذريتك، وأجعل هذه الأرض لك»، فاستيقظ يعقوب ووضع علامة على الحجر الذي نام عليه حتى يعرف الأرض التي قال الله له في المنام: أنني سأبارك لك ولذريتك، وأجعل هذه الأرض لك ولذريتك، ثم سمى ذلك المكان: «بيت إيل»، وإيل معناها: الله، يعني بيت الله، وذهب على أساس أن هذا المكان سيبني فيه بيت الله ــ جل وعلا ــ.
زواج يعقوب عليه السلام من ابنة خاله:
ذهب يعقوب إلى خاله لابان، واستقر عنده مدة طويلة، ثم طلب من خاله أن يتزوج ابنته، واسمها: راحيل، فوافق الخال، وقال: لا مانع على أن تأجرني سبع سنين، وأزوجك راحيل، قال: لا مانع، فعمل عنده سبع سنين، فقال: زوجني الآن. قال: أفعل، فزوجه، فلما دخل عليها يعقوب؛ فإذا هي ليست راحيل، زَوَّجَه أختها، واسمها: لِيا، فقال: يا خال إنما طلبت راحيل ولم أطلب لِيا، قال: ليس من سنتنا يا بُني أن تُزَوَّجَ الصغرى قبل الكبرى، وليا هي الكبرى، فأنا وافقت، ولكن غيرت رأيي لابد أن تتزوج الكبرى قبل الصغرى، قال: ولكني أريد راحيل. قال: لا مانع تجلس عندنا سبع سنين أخرى ونزوجك راحيل. قال: نعم أفعل، فجلس عند خاله سبع سنين أخرى، فزوجه خاله راحيل([2])، ومكث بعد هذه السنوات ست سنين حتى أتم عشرين سنة عند خاله في حرّان، وكان يرعى له الغنم ورزقه الله تبارك وتعالى خيراً كثيراً، حتى كثر ماله جداً، ورُزِقَ بأولاد كُثُر صلوات الله وسلامه عليه، رزق من لِيا: روبيل، وشمعون، ولاوي، ويهوذا، وإيصخر، وزيلوم، ستة أولاد ولدتهم لِيا ليعقوب عليه الصلاة والسلام، وراحيل لم تنجب ليعقوب شيئاً.
ولما يئِسَتْ راحيل من الولادة أهدَتْ لزوجها يعقوب جارية عندها، فدخل على الجارية وولدت له ولدين، وقيل: إنه سماهما: دان، ونيفتالي، ثم أهدتْ لِيا ليعقوب جاريتها أيضاً، فولدت له كذلك ولدين سمّاهما: حاد أو جاد، وأشيط، ولم تلدْ راحيل شيئاً، يعني: عشرة أولاد الآن ليعقوب عليه الصلاة والسلام، ولم تلد راحيل شيئاً أبداً، فيُذكر أنه دعا الله تبارك وتعالى أن يُرزق بولد من راحيل، وكانت راحيل كذلك، ثمّ حملتْ راحيل وولدت له يوسف، وبنيامين.
يعقوب عليه السلام يبني بيت المقدس:
وكانت ليعقوب أموالٌ كثيرةٌ فقدمها بين يديه بشارة لأبيه وأخيه العيص، ثم مرَّ على المكان الذي غادره قبل عشرين سنة ووضع عنده العلامة، وهي الصخرة التي نام عليها صلوات الله وسلامه عليه، وبنى هناك بيت المقدس، ولذلك ثبت عن النبي ﷺ قال: «بين بناء البيت الحرام وبناء بيت المقدس أربعون سنة»([3])، وإبراهيم وإسماعيل بنيا الكعبة، ويعقوب حفيد إبراهيم بنى بيت المقدس، فهو ثاني مسجد وضع في هذه الأرض، ثم رجع إلى أبيه، وتوفي إسحاق بعد مدة، وقيل: إنه بلغ من العمر ثمانين ومئة سنة، والعلم عند الله ــ جل وعلا ــ.
من هم الأسباط؟
ليعقوب أولاد كُثُر ــ كما ذكرنا ــ اثنا عشر ولداً، واختلف أهل العلم في أولاد يعقوب هل هم الأسباط أو لا؟ والصحيح أنهم ليسوا الأسباط؛ لأن الأسباط أنبياء، والصحيح أن أولاد يعقوب لم يكونوا أنبياء بدليل ما سيأتي من فعلهم الشنيع بيوسف عليه الصلاة والسلام، حيث فكروا في قتله، ثم ألقوه في الجُبِّ، ثم كذبوا على أبيهم، وكذبوا على يوسف، فمثل هؤلاء لا يمكن أن يكونوا من الأنبياء، فالصحيح أنهم ليسوا الأسباط، ولكن الأسباط من ذرية يعقوب عليه الصلاة والسلام.
يعقوب وإسرائيل:
يعقوب هو إسرائيل يقال له: يعقوب ويقال له: إسرائيل، و(إيل) في العبرية: اسم من أسماء الله ــ جل وعلا ــ، هكذا يقولون، ولكن لا يجوز لنا الآن أن نسمي الله بإيل؛ لأن أسماء الله توقيفية، و(إسرا) بمعنى (عَبْدٌ)، فإسرائيل بمعنى: عبد الله، ومثله جبرائيل، ميكائيل، عزرائيل، وهكذا: خادم الله، حبيب الله، المقرب لله، وما شابه ذلك من هذه المعاني.
وكما ذكرنا وُلِدَ ليعقوب هؤلاء الأولاد، ورجع إلى أبيه في القدس، وهناك تأتينا قصة جديدة، وهي قصة نبي الله يوسف، وهي مزيج من قصة يوسف وقصة يعقوب صلوات الله وسلامه عليهما.
([2]) وكان جمع الأختين جائزاً في الشرائع السابقة، ثم حرمه الله تعالى، فقال في سياق
ذكر المحرمات من النساء: ﴿.. وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ ٱلْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ...﴾ [النساء: 23].