إسماعيل عليه السلام، ذكره الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز فقال: ﴿وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ ٱلْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِٱلصَّلَاةِ وَٱلزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾  .

المشهور أنه أرسل إلى العرب، ولذلك جاء في الأخبار أن العرب الذين كانوا يطوفون حول الكعبة، وقد خلطوا الحج بشركيات، فوضعوا عند المروة صنماً وعند الصفا صنماً، ووضعوا داخل الكعبة أصناماً وفوقها وحولها وكانوا يطوفون بالبيت، يغنون، يصفقون ويصفرون، ﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ ٱلْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً﴾   لكن أصل الحج موجود عندهم، إذاً هم على دين إسماعيل صلوات الله وسلامه عليه، وقد ذكر النبي ﷺ أن أول من أتى بالأصنام إلى مكة هو عمرو بن لحي الخزاعي لما كانت خزاعة تحكم مكة قبل قريش، جاء بها عمرو بن لحي من جدة، ثم عبدتها العرب بعد ذلك ومما يدل على أنهم على دين إسماعيل أمور، منها:

الأمر الأول: أن النبي ﷺ كان حنيفاً، كان يعبد الله تبارك وتعالى في غار حراء كما هو مشهور على ملة إبراهيم، لكن لا يعرف تفاصيل الشرع لكن يعرف أن هناك رباً سبحانه وتعالى وأنه يجب أن يُعْبَد وأن هذه الأصنام لا يجوز أن تُعْبَد، هذا يعرفه، ولذلك قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى﴾   أي: ضالاً عن تفاصيل الشرع، لا أنه كان مشركاً([1]).

لما سألت عائشة النبي ﷺ عن عبد الله بن جدعان، من أجدادها، من بني تيم، وأنه كان يكرم الحجيج إذا جاءوا فقالت: يا رسول الله قد علمت ما كان من عبد الله بن جدعان فهل له شيء عند الله؟ هل ينفعه ذلك عند الله؟ فقال النبي ﷺ: «إنه لم يقل يوماً ربِّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين»([2]).

الأمر الثاني: وأخبر النبي ﷺ الرجل الذي جاءه وقال له: يا رسول الله أين أبي؟ قال: «أبوك في النار»، فولى الرجل وهو متضايق، فناداه النبي ﷺ، قال: «أبي وأبوك في النار»([3]).

ولما خرج النبي ﷺ من المدينة في عام الحديبية مر على قبر أمه وجلس عنده، وبكى، فسأله أصحابه ما يبكيك يا رسول الله؟ قال: «استأذنت ربي في أن أزور قبر أمي فأذن لي، واستأذنته في أن أستغفر لها فلم يأذن لي في الاستغفار لها»([4]).

فالشاهد أن أهل مكة كانوا مطالبين بدين إسماعيل، وبملة إسماعيل صلوات الله وسلامه عليه، ولكنهم كفروا بها، ومن بقي على دين إسماعيل كزيد بن عمرو بن نفيل مثلاً وكان موحداً على دين إسماعيل، ومحمد ﷺ كان على دين إسماعيل كان موحداً.

محمد ﷺ من ذرية إسماعيل عليه السلام:

وإسماعيل لم يكن من ذريته من الأنبياء إلا واحد وهو محمد ﷺ خاتم الأنبياء وسيدهم، ويثبت أن محمداً من ولد إسماعيل صلوات الله وسلامه عليه: إخباره هو صلوات الله وسلامه عليه أنه من ولد إسماعيل، «إن الله اصطفى قريشاً على العرب واصطفى بني هاشم من قريش، واصطفاني من بني هاشم»([5]). فهو خيار من خيار من خيار صلوات الله وسلامه عليه، وسمى الله تبارك وتعالى إبراهيم أباً له فقال: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾، وهذا باتفاق أن النبي ﷺ من ذرية إسماعيل، والعرب كما هو معلوم قحطان وعدنان، عدنان باتفاق أهل العلم من ولد إسماعيل، ولكن الكلام في قحطان هل هم من ولد إسماعيل أو ليسوا من ولد إسماعيل يعني من العرب العاربة، أو من قوم جُرْهُم، الذين تزوج منهم إسماعيل؟ هذا هو المشهور أن قحطان ليسوا من ولد إسماعيل، وإنما الذين من ولد إسماعيل هم عدنان الذين منهم النبي رضي الله عنه، وجاء في الحديث أن النبي ﷺ جاء إلى بني أسلم فقال لهم النبي ﷺ: «ارموا بني فلان وأنا معكم فإن أباكم إسماعيل كان رامياً» وتوقف الفريق الثاني فقال لهم النبي ﷺ: «ما لكم لا ترمون؟» قالوا: كيف نرمي وأنت معهم؟ تأدباً مع النبي ﷺ، فخرج النبي ﷺ فقال: «أنا معكم جميعاً» صلوات الله وسلامه عليه.

وقبيلة أسلم كما ذكر أهل العلم من خزاعة، وخزاعة من قحطان، فكيف يقول أبوكم إسماعيل وهم ليسوا من ولد إسماعيل، فأكثر أهل العلم على أنه إنما سماهم كذلك على أن إسماعيل أباهم من الأم، يعني جدهم لأمهم لا أنه جدهم لأبيهم، كما يقال عن أولاد فاطمة رضي الله عنها أنهم أبناء النبي ﷺ، يعني الحسن والحسين وذريتهما رضي الله عنهما هؤلاء يقال: أولاد النبي ﷺ.

البشارة بالنبي ﷺ في التوراة:

وإسماعيل ــ كما تقدم ــ هو والد النبي ﷺ، وكذلك هو في التوراة الموجودة الآن، وهذا في «سفر أشعياء» إصحاح (42)، يقول: «لتَرْفَع البرية ومدنها صوتها، الديار التي يسكنها قيدار». وقيدار من هو؟

وفي «سفر التكوين» (25): وهذه مواليد بني إسماعيل بأسمائهم حسب مواليدهم ثم ذكرهم فقال: «نبايوت بكر إسماعيل([6])، وقيدار، وأردئيل، ومبسام» وذكر باقي الأسماء.

إذاً قيدار من ولد إسماعيل في كتابهم، ثم قال: «لتترنم سكان سالع»، وسالع هو جبل سلع، الذي في المدينة.

 

([1])       انظر للأهمية: «زاد المسير» لابن الجوزي عند هذه الآية.

([2])      أخرجه مسلم (214).

([3])      أخرجه مسلم (203) من حديث أنس رضي الله عنه.

([4])      أخرجه مسلم (976) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

([5])      أخرجه مسلم (2276) من حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه.

([6])      يعني: الكبير.