مراجعة الشيعي عبدالحسين 60
27-03-2023
مراجعة الشيعي عبدالحسين رقم [60]
30 المحرم سنة 1330 هـ
طلبتم ــ نصر الله بكم الحق ــ أن نقنع بأن المراد من حديث الغدير أن علياً أولىٰ بالإمامة حين يختاره المسلمون لها، ويبايعونه بها، فتكون أولويته المنصوص عليها يوم الغدير مآلية لا حالية، وبعبارة أخرىٰ تكون أولوية بالقوة لا بالفعل، لئلا تنافي خلافة الأئمة الثلاثة الذين تقدموا عليه فنحن ننشدكم بنور الحقيقة، وعزة العدل، وشرف الإنصاف، وناموس الفضل، هل في وسعكم أن تقنعوا بهذا لنحذو حذوكم وننحو فيه نحوكم، وهل ترضون أن يؤثر هذا المعنىٰ عنكم، أو يعزىٰ إليكم، لنقتص أثركم، وننسج فيه علىٰ منوالكم، ما أراكم قانعين ولا راضين، وأعلم يقينا أنكم تتعجبون ممن يحتمل إرادة هذا المعنىٰ الذي لا يدل عليه لفظ الحديث، ولا يفهمه أحد منه، ولا يجتمع مع حكمة النبي ولا مع بلاغته صلى الله عليه وآله وسلم، ولا مع شيء من أفعاله العظيمة، وأقواله الجسيمة يوم الغدير، ولا مع ما أشرنا إليه سابقاً من القرائن القطعية، ولا مع ما فهمه الحارث بن النعمان الفهري من الحديث، فأقره الله تعالىٰ علىٰ ذلك ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، والصحابة كافة. علىٰ أن الأولوية المآلية لا تجتمع مع عموم الحديث لأنها تستوجب أن لا يكون علي مولىٰ الخلفاء الثلاثة، ولا مولىٰ واحد ممن مات من المسلمين علىٰ عهدهم كما لا يخفىٰ، وهذا خلاف ما حكم به الرسول حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: «ألست أولىٰ بالمؤمنين من أنفسهم؟». قالوا: بلىٰ. فقال: «من كنت مولاه ـ يعني من المؤمنين فرداً فرداً ــ فعلي مولاه»، من غير استثناء كما ترىٰ.
وقد قال أبو بكر وعمر لعلي ــ حين سمعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول فيه يوم الغدير ما قال ــ: «أمسيت يا ابن أبي طالب مولىٰ كل مؤمن ومؤمنة». فصرحا بأنه مولىٰ كل مؤمن ومؤمنة علىٰ سبيل الاستغراق لجميع المؤمنين والمؤمنات منذ أمسىٰ مساء الغدير.
وقيل لعمر: إنك تصنع لعلي شيئاً لا تصنعه بأحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: «إنه مولاي». فصرح بأنه مولاه، ولم يكونوا حينئذ قد اختاروه للخلافة، ولا بايعوه بها، فدل ذلك علىٰ أنه مولاه، ومولىٰ كل مؤمن ومؤمنة بالحال لا بالمآل، منذ صدع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بذلك عن الله تعالىٰ يوم الغدير.
واختصم أعرابيان إلىٰ عمر، فالتمس من علي القضاء بينهما، فقال أحدهما: هذا يقضي بيننا؟! فوثب إليه عمر وأخذ بتلابيبه، وقال: «ويحك ما تدري من هذا؟ هذا مولاك ومولىٰ كل مؤمن، ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن». والأخبار في هذا المعنىٰ كثيرة.
وأنت ــ نصر الله بك الحق ــ تعلم أن لو تمت فلسفة ابن حجر وأتباعه في حديث الغدير، لكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كالعابث يومئذ في هممه وعزائمه ــ والعياذ بالله ــ الهاذي في أقواله وأفعاله ــ وحاشا لله ــ إذ لا يكون له ــ بناء علىٰ فلسفتهم ــ مقصد يتوخاه في ذلك الموقف الرهيب، سوىٰ بيان أن علياً بعد وجود عقد البيعة له بالخلافة يكون أولىٰ بها، وهذا معنىٰ تضحك من بيانه السفهاء، فضلاً عن العقلاء، لا يمتاز ــ عندهم ــ أميرالمؤمنين به علىٰ غيره، ولا يختص فيه ــ علىٰ رأيهم ــ واحد من المسلمين دون الآخر، لأن كل من وجد عقد البيعة له كان ــ عندهم ــ أولىٰ بها، فعلي وغيره من سائر الصحابة والمسلمين في ذلك شرع سواء، فما الفضيلة التي أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ أن يختص بها علياً دون غيره من أهل السوابق، إذا تمت فلسفتهم يا مسلمون؟
أما قولهم بأن أولوية علي بالإمامة لو لم تكن مآلية، لكان هو الإمام مع وجود النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فتمويه عجيب، وتضليل غريب، وتغافل عن عهود كل من الأنبياء والخلفاء والملوك والأمراء إلىٰ من بعدهم، وتجاهل بما يدل عليه حديث: «أنت مني بمنزلة هارون من موسىٰ، إلا أنه لا نبي بعدي». وتناس لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الدار يوم الإنذار: «فاسمعوا له وأطيعوا». ونحو ذلك من «السنن» المتضافرة. علىٰ أنا لو سلمنا بأن أولوية علي بالإمامة لا يمكن أن تكون حالية لوجود النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلا بد أن تكون بعد وفاته بلا فصل، عملا بالقاعدة المقررة عند الجميع، أعني حمل اللفظ ــ عند تعذر الحقيقة ــ علىٰ أقرب المجازات إليها كما لا يخفىٰ. وأما كرامة السلف الصالح فمحفوظة بدون هذا التأويل، كما سنوضحه إذا اقتضىٰ الأمر ذلك، والسلام. «ش».