نقد مراجعة الشيعي عبدالحسين 56
27-03-2023
نقد مراجعة الشيعي عبدالحسين رقم [56]
ذكر عبدالحسين ابتداءً أنّ قول الله تبارك وتعالىٰ: ﴿ يَاأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ [المائدة: 67] نصٌّ في ولاية علي، وهـٰذه دعوىٰ عريضةٌ تحتاج إلىٰ برهانٍ ولا يكفي فيها مجرّد الادعاء الذي لا يعجز عنه أحدٌ؛ وذٰلك أنه قد أخرج الواحدي في «أسباب النّزول» أنها نزلت في قصّة الغدير، ولكن من طريقٍ ضعيفٍ فيه: علي بن عابسٍ، ضعّفه ابن معينٍ والنّسائي وابن حِبّان والجوزجاني وغيرهم([1]). وفيه أيضاً: عطية العوفي؛ ضعّفه أحمد وأبو حاتمٍ والنّسائي وغيرهم كما تقدّم مراراً([2]).
وكذا دعوىٰ أن قوله تعالىٰ: ﴿ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المَائدة: 3] أنها نزلت في حادثة الغدير؛ فإنها دعوىٰ غير مقبولةٍ، بل تخالف ما أجمع عليه أهل السُّنة من أنّ هـٰذه الآية نزلت في حجّة الوداع في يوم عرفة كما أخرج ذٰلك البخاري ومسلمٌ في «صحيحيهما»([3]).
وذكر عبدالحسين عدة أحاديث، بعضها مكررٌ، وعلىٰ كلٍّ فها هو بيان رتبتها:
[1] حديث أبي الطفيل قال: «جمع علي الناس في الرحبة، ثم قال لهم: أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام، فقام ثلاثون من الناس ــ وقال أبو نعيم: فقام ناس كثير ــ فشهدوا حين أخذه بيده، فقال للناس: «أتعلمون أني أولىٰ بالمؤمنين من أنفسهم؟» قالوا: نعم يا رسول الله . قال: «من كنت مولاه، فهذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه».
هذا الحديث قد مرّ ذكره في المراجعة رقم (48)، وبينت هناك أنه ضعيف لا يثبت.
* * *
[2] عن عبدالرحمن بن أبي ليلىٰ، قال: شهدت علياً في الرحبة ينشد الناس، فيقول: أنشد الله من سمع رسول الله يقول يوم غدير خم: «من كنت مولاه فعلي مولاه» لما قام فشهد، ولا يقم إلا من قد رآه. قال عبدالرحمن: اثنا عشر بدرياً كأني أنظر إلىٰ أحدهم، فقالوا: نشهد أنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم غدير خم: «ألست أولىٰ بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجي أمهاتهم؟». فقلنا: بلىٰ يا رسول الله . قال: «فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه».
قلت: إسناده ضعيف؛ لضعف يزيد بن أبي زيادٍ([4]) وقد مر كثيراُ، ويونس بن أرقم قد لينه ابن خراشٍ([5]) والهيثمي([6])، وذكره ابن حِبّان في «الثقات»([7])، وقال البخاري: «معروف الحديث وكان يتشيع»([8]).
* * *
[3] حديث: «اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله». قال: فقاموا إلا ثلاثة لم يقوموا، فدعا عليهم علي فأصابتهم دعوته. ـ
قال عبدالحسين: «أخرجه الإمام أحمد»!!
والحديث ليس من رواية الإمام أحمد، وإنما هو من رواية عبد الله ابنه([9]) عن أحمد بن عمر الوكيعي، حدثنا حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا الوليد بن عقبة بن نزار القيسي، حدثني سماك بن عبيد بن الوليد العنسي، قال : دخلت علىٰ عبد الرحمن بن أبي ليلىٰ، فحدثني أنه شهد علياً في الرحبة قال: أنشد الله رجلاً سمع رسول الله وشهده يوم غدير خم إلا قام، ولا يقوم إلا من قد رآه، فقام اثنا عشر رجلاً، فقالوا: قد رأيناه وسمعناه حيث أخذ بيده يقول: «اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصرْ من نصره، واخذلْ من خذله»، فقام إلا ثلاثة لم يقوموا، فدعا عليهم، فأصابتهم دعوته.
وهذا إسنادٌ ضعيف؛ لجهالة الوليد بن عقبة وسماك بن عبيدٍ([10]).
* * *
[4] عن رياح بن الحارث قال: جاء رهط إلىٰ علي فقالوا: السلام عليك يا مولانا. قال: من القوم؟ قالوا: مواليك يا أمير المؤمنين. قال: كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم غدير خم يقول: «من كنت مولاه، فإن هذا مولاه». قال رياح: فلما مضوا تبعتهم فسألت: من هؤلاء؟ قالوا: نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري.
أخرجه أحمد ([11])، حدثنا يحيىٰ بن آدم حدثنا حنش بن الحارث بن لقيط النخعي الأشجعي عن رياح بن الحارث به.
وأخرجه أيضاً([12]) من طريق أبي أحمد، حدثنا حنش، عن رياح بن الحارث بمعناه.
وهو حديث صحيح بدون زيادة: «اللهم والِ من والاه».
* * *
[5] أمّا دعواه أنّ الثّعلبي أخرجه بسندين معتبرين؛ فلا يسلّم له، وكيف يسلّم وتفسير الثّعلبي غير مطبوعٍ في ذلك الوقت؟ فكيف اطّلع هو علىٰ إسناده، ومن ثمّ حكم عليه؟
وقوله: «إن كان هذا هو الحقّ من عندك..»؛ إنما هو من قول أبي جهلٍ ــ لعنه الله ــ كما رواه البخاري في «صحيحه»([13])، ولفظه: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال أبو جهل: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فنزلت: ﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ [الأنفال: 33].
وقوله: «إن عدد من حضر يزيد علىٰ مئة ألف»؛ فمقبولٌ، ولكن غير المقبول أن يرتد كل هـٰؤلاء بعد وفاة رسول الله مباشرةً، وينكروا وصيته لعلي، ويكتموا الحقّ هـٰكذا دون مسوّغٍ أو مصلحةٍ تدفعهم لهـٰذا الإنكار والكتمان وما يترتب عليه من خسران الآخرة.
أيظنّ أنّ هـٰؤلاء المئة ألف يبيعون آخرتهم بدنيا غيرهم ــ هـٰكذا دون مقابلٍ ــ ؟!
وذكر كذٰلك كلاماً ــ يحتاج إلىٰ وقفةٍ ــ ألا وهو قوله: «يوم 18 من ذي الحجة في كلّ عام عيد عند الشيعة.. يفزعون فيه إلىٰ مساجدهم للصلاة فريضة ونافلة، وتلاوة القرآن العظيم..، لا يقلّ المجتمعون فيها عند ضراح علي عن مئة ألف يأتون من كلّ فج عميق، ليعبدوا الله بما كان يعبده في مثل ذٰلك اليوم أئمتهم الميامين..» إلخ.
فهـٰذا الكلام لا يوافق ما نراه واقعاً من الشيعة عند ضريح علي من الصياح والعويل، ودعاء علي من دون الله تعالىٰ ــ والعياذ بالله ــ:
ناد علياً مظهر العجائب
تجده عوناً لك في النّوائب
وواقع حال الشيعة عند القبور مما يندىٰ له الجبين.
وذكر أن «الحديث متواترٌ من طريق آل البيت.. في مظانّه من الكتب الأربعة وغيرها من مسانيد الشيعة علىٰ أسانيده الجمّة المرفوعة وطرقه المعنعنة المتصلة»، وهذا باطل، بل يعجز عبدالحسين وغيره من علماء الشيعة أن يأتوا بإسناد واحد صحيح من كتبهم، وعلى شرطهم عن رسول ﷺ، وسيذكر في المراجعة (62) أربعين حديثاً في الإمامة، ليس فيها واحد صحيح كما سيأتي، وما ترى لا ما تسمع.
أما قصة الحارث بن النعمان الفهري؛ فلا أدري ممّ أعجب: أمن ضعف سندها ومتنها؟ أم من استدلاله بها وهو يعرف حالها؟ وإن كان لا يدري ــ ولا أخاله كذٰلك ــ فشيءٌ غريبٌ.
([1]) «ميزان الاعتدال» (3/134).
([3]) «صحيح البخاري» (4606)، «صحيح مسلم» (3017).
([5]) «ميزان الاعتدال» (4/477).
([8]) «التاريخ الكبير» (8/410).