نقد مراجعة الشيعي عبدالحسين رقم [54]

ذكر عبدالحسين في مراجعته السّابقة طرق حديث زيد بن أرقم، وحديث البراء بن عازبٍ، وحديث سعد بن أبي وقّاصٍ، وها هو بيان حال هذه الأحاديث:

تخريج الحديث رقم (1):

قوله: «أخرج الطبراني وغيره بسند مجمع علىٰ صحته عن زيد بن أرقم، قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بغدير خم تحت شجرات، فقال: «أيها الناس يوشك أن أدعىٰ فأجيب، وإني مسؤول..».

قلت: هذا حديثٌ ضعيف.

أخرجه الطّبراني([1])، وابن عساكر([2])، عن زيد بن الحسنٍ الأنماطي، أخبرنا معروف بن خربوذ، عن أبي الطّفيل، عن حذيفة بن أسيدٍ الغفاري قال: لما صدر رسول الله  من حجّة الوداع نهىٰ أصحابه عن شجراتٍ بالبطحاء متقارباتٍ أن ينزلوا تحتهنّ، ثمّ بعث إليهنّ فقمّ ما تحتهنّ من الشّوك، وعمد إليهنّ فصلّىٰ تحتهنّ، ثمّ قام فقال: «يا أيها النّاس! إنّي قد نبّأني اللّطيف الخبير أنّه لم يعمّر نبي إلّا نصف عمر الّذي يليه من قبله، وإنّي لأظنّ أنّي يوشك أن أدعىٰ فأجيب، وإنّي مسئولٌ، وإنّكم مسئولون، فماذا أنتم قائلون؟» قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت وجاهدت ونصحت، فجزاك الله خيراً، فقال: «أليس تشهدون أن لا إله إلّا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأنّ جنّته حقٌّ وناره حقٌّ، وأنّ الموت حقٌّ، وأنّ البعث حقٌّ بعد الموت، وأنّ السّاعة آتيةٌ لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث من في القبور؟». قالوا: بلىٰ، نشهد بذلك. قال: «اللهم اشهد»، ثمّ قال: «أيها النّاس! إنّ الله مولاي، وأنا مولىٰ المؤمنين، وأنا أولىٰ بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فهذا مولاه ــ يعني علياً ــ اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه». ثمّ قال: «يا أيها النّاس! إنّي فرطكم، وإنّكم واردون علي الحوض، حوضٌ ما بين بصرىٰ إلىٰ صنعاء، فيه عدد النّجوم قدحانٌ من فضّةٍ، وإنّي سائلكم حين تردون علي عن الثّقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، الثّقل الأكبر كتاب الله عز وجل، سببٌ طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به لا تضلّوا ولا تبدّلوا، وعترتي أهل بيتي، فإنّه نبّأني اللّطيف الخبير أنّهما لن ينقضا حتىٰ يردا علي الحوض».

فيه زيد بن الحسن الأنماطي، قال أبو حاتمٍ: «منكر الحديث»([3])، وذكره ابن حِبّان في «الثّقات»([4]). وقال الحافظ ابن حجر : «ضعيف»([5]).

تخريج الأحاديث (2، 3، 4):

أخرجه النسائي([6])، والآجري([7])، والطبراني([8])، والحاكم([9])، من طرق عن الأعمش، قال: حدثنا حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم قال: لما رجع رسول الله ﷺ عن حجة الوداع، ونزل غدير خم؛ أمر بدوحات فقممن، ثم قال: «كأني قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما؟ فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض». ثم قال: «إن الله مولاي، وأنا ولي كل مؤمن». ثم أخذ بيد علي فقال: «من كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه».

فقلت لزيد: سمعته من رسول الله ﷺ؟ قال: «ما كان في الدوحات رجل إلا رآه بعينه وسمعه بأذنه».

قال الحاكم: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بطوله»، وسكت عنه الذهبي.

وهذا الإسناد منقطع، فيه حبيب بن أبي ثابت، وهو مدلّسٌ وقد عنعن ولم يصرح بالسماع.

وأخرجه الترمذي([10])، من طريق حبيب، عن زيد بن أرقم، من دون ذكر أبي الطفيل، وفيه انقطاع أيضاً.

وأخرجه الطبراني([11])، من طريق شريك، عن الأعمش، عن حبيب، عن أبي الطفيل، عن زيد، عن النبي ﷺ مثله.

وفيه شريك النخعي، وهو سيء الحفظ.

وأخرجه الحاكم([12]) أيضاً، من طريق حسان بن إبراهيم الكرماني، حدثنا محمد بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عن أبي الطفيل، عن ابن واثلة، أنه سمع زيد بن أرقم رضي الله عنه يقول، فذكره نحوه.

وفيه حسان بن إبراهيم الكرماني، قال ابن عدي: «حدث بإفرادات كثيرة، وهو عندي من أهل الصدق، إلا أنه يغلط في الشيء وليس ممن يظن به أنه يتعمد في باب الرواية إسناداً أو متناً، وإنما هو وهم منه، وهو عندي لا بأس به»([13]).

تخريج الحديث (5):

أخرجه ابن أبي شيبة([14])، وأحمد([15])، من طريق حمّاد بن سلمة، أنبأنا علي بن زيدٍ، عن عدي بن ثابتٍ، عن البراء بن عازبٍ به.

فيه علي بن زيد، وهو ابن جدعان، شيعي ضعيف.

تخريج الحديثين (6، 7):

أخرجه النسائي([16])، والطحاوي([17])، والضياء المقدسي([18])، من طريق محمد ابن يحيىٰ، قال: حدثنا يعقوب بن جعفر بن أبي كثير، عن مهاجر بن مسمار، قال: أخبرتني عائشة ابنة سعد، عن سعد قال: كنا مع رسول الله  بطريق مكة، وهو موجه إليها، فلما بلغ غدير خم وقف الناس، ثم رد من مضىٰ، ولحقه من تخلف، فلما اجتمع الناس إليه قال: «أيها الناس هل بلغت؟» قالوا: نعم قال: «اللهم اشهد» ثلاث مرات يقولها، ثم قال: «أيها الناس من وليكم؟» قالوا: الله ورسوله ثلاثا، ثم أخذ بيد علي، فأقامه ثم قال: «من كان الله ورسوله وليه، فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه».

ومع ذلك فقد وقع في سياقه ما يدل علىٰ ضعف راويه، وهو قوله في أوّله: «كنّا مع رسول الله  بطريق مكّة وهو متوجّهٌ إليها، فلما بلغ..» الحديث.

الخلاصة :

حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أخرجه مسلمٌ في «صحيحه»، ويختلف لفظه كثيراً عن اللّفظ الذي ذكره، وها هي رواية «مسلمٍ»، قال زيدٌ: قام رسول الله  يوماً فينا خطيباً بماءٍ يدعىٰ «خمّاً» بين مكّة والمدينة، فحمد الله وأثنىٰ عليه ووعظ وذكّر، ثمّ قال: «أمّا بعد؛ ألا أيها النّاس! فإنّما أنا بشرٌ يوشك أن يأتي رسول ربّي فأجيب، وأنا تاركٌ فيكم ثقلين، أوّلهما: كتاب الله فيه الهدىٰ والنّور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به»، فحثّ علىٰ كتاب الله ورغّب فيه، ثمّ قال: «وأهل بيتي: أذكّركم الله في أهل بيتي! أذكّركم الله في أهل بيتي! أذكّركم الله في أهل بيتي!». فقال له حصينٌ([19]): ومَن أهل بيته يا زيد! أليس نساؤه من أهل بيته؟

قال [زيدٌ]: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته: من حرم الصّدقة بعده. قال [حصينٌ]: ومن هم؟ ــ قال [زيد]: هم: آل علي، وآل عقيلٍ، وآل جعفرٍ، وآل عباس. قال [حصينٌ]: كلّ هـٰؤلاء حرم الصّدقة؟ ــ قال [زيدٌ]: نعم([20]).

وليس فيه أي ذكرٍ للخلافة كما نرىٰ.

وأما دعواه بأنّ مسلماً بتره؛ فهي دعوىٰ عريضةٌ باطلةٌ؛ إذ روىٰ مسلمٌ في «صحيحه» كثيراً من الأحاديث في فضل علي، فلم يبتر هـٰذا؟

ثمّ هل إسناد مسلمٍ هو الإسناد الذي فيه ذكر تلك الزيادة؟ فاتهامه لعلماء المسلمين ــ بما يعلم هو قبل غيره أنّهم منه براءٌ ــ هي شنشنةٌ نعرفها من أخزم.

وأمّا وصفه للحديث الذي أورده بأنّ إسناده مجمعٌٍ علىٰ صحّته؛ فمن قال من أهل العلم إنه مجمعٌ علىٰ صحّته؟ وكيف علم ذٰلك؟ إذ الحديث أخرجه الطّبراني([21])، وفيه: زيد بن الحسن الأنماطي، وهو منكر الحديث كما نصّ علىٰ ذٰلك أبو حاتمٍ الرّازي والذهبي وغيرهما من أهل العلم. فكيف يكون الحديث مجمعاً علىٰ صحّته، وأحد رواته منكر الحديث؟

قدر لرجلك قبل الخطو موقعها                      

فمن علا زلقاً عن غرةٍ زلجا

والحديث يمكننا ــ معاشر أهل السُّنة ــ أن نقسّمه إلىٰ أربعة أقسامٍ:

القسم الأول: هو ما أخرجه مسلمٌ في «صحيحه» من حديث زيد بن أرقم، وهـٰذا مجمعٌ علىٰ صحّته؛ لكونه في «صحيح مسلمٍ»، وأهل السُّنة مجمعون علىٰ قبول كلّ ما جاء فيه، وفي والحديث الوصية العامّة بأهل البيت والتّذكير بحقّهم.

القسم الثاني: ما أخرجه أصحاب «السّنن»: كالتّرمذي والنّسائي في «الخصائص» وأحمد والحاكم وغيرهم، وفيه قوله: «من كنت مولاه فعلي مولاه». وهـٰذه الزّيادة ضعّفها: البخاري، وإسحاق بن راهويه، وابن حزمٍ، وابن تيمية([22]) وغيرهم، وصحّحها آخرون، والأقرب ــ والعلم عند الله ــ أنّها صحيحةٌ.

القسم الثالث: ما أخرجه النّسائي في «الخصائص» وأحمد في «مسنده» والحاكم في «المستدرك» وغيرهم. وفيه قوله: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه».

وهـٰذه الزيادة: «اللهم وال من والاه..» صحّحها بعض أهل العلم كالذهبي وابن كثيرٍ والألباني وغيرهم، وضعّفها آخرون، والأقرب ــ والعلم عند الله ـ أنّها لا تصحّ؛ إذ لا يخلو طريقٌ من طرقها من علّةٍ. فمن صحّحها نظر إلىٰ مجموع الطّرق وكثرتها، ومن ضعّفها نظر إلىٰ ارتباط جميع الطّرق بعللٍ قادحةٍ.

القسم الرابع: ما أخرجه الطّبراني وغيره، وفيه قوله: «وانصر من نصره، واخذل من خذله». فهـٰذه لا تصحّ بوجهٍ من الوجوه.

 

([1])        «المعجم الكبير» (3/180).

([2])       «تاريخ دمشق» (42/219).

([3])       «الجرح والتعديل» (3/560).

([4])       «الثقات» (4/245).

([5])       «تقريب التهذيب» (2127).

([6])       «السنن الكبرى» (8092)، «فضائل الصحابة» (45)، «الخصائص» (15).

([7])        «الشريعة» (1706).

([8])       «المعجم الكبير» (5/116).

([9])       «المستدرك» (3/118).

([10])     «جامع الترمذي» (3788).

([11])      «المعجم الكبير» (5/166).

([12])     «المستدرك» (3/118).

([13])     «الكامل» (2/375).

([14])     «المصنف» (32118).

([15])     «مسند أحمد» (18479)، «فضائل الصحابة» (1016).

([16])     «السنن الكبرىٰ» (8427).

([17])     «مشكل الآثار» (5/20).

([18])     «المختارة» (1014).

([19])     هو أحد المستمعين لحديث زيدٍ.

([20])    «صحيح مسلم» (2408).

([21])     «المعجم الكبير» (3/180).

([22])    «الفصل في الملل والنّحل» لابن حزمٍ (4/224) و«منهاج السّنّة» لشيخ الإسلام (7/319).