مراجعة الشيعي عبدالحسين رقم [38]

30 ذي الحجة سنة 1329 هـ

  1. ذكرتم في جملة معاني الولي: أن كل من ولي أمر أحد فهو وليه، وهذا هو المقصود من الولي في تلك الأحاديث، وهو المتبادر عند سماعها، نظير قولنا: ولي القاصر أبوه وجده لأبيه، ثم وصي أحدهما، ثم الحاكم الشرعي، فإن معناه أن هؤلاء هم الذين يلون أمره، ويتصرفون بشؤونه.
  2. والقرائن علىٰ إرادة هذا المعنىٰ من الولي في تلك الأحاديث لا تكاد تخفىٰ علىٰ أولي الألباب، فإن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «وهو وليكم بعدي» ــ ظاهر في قصر هذه الولاية عليه، وحصرها فيه، وهذا يوجب تعيين المعنىٰ الذي قلناه، ولا يجتمع مع إرادة غيره، لأن النصرة والمحبة والصداقة ونحوها غير مقصورة علىٰ أحد، والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، وأي ميزة أو مزية أراد النبي إثباتها في هذه الأحاديث لأخيه ووليه، إذا كان معنىٰ الولي غير الذي قلناه، وأي أمر خفي صدع النبي في هذه الأحاديث ببيانه؛ إذا كان مراده من الولي النصير أو المحب أو نحوهما، وحاشا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يهتم بتوضيح الواضحات، وتبيين البديهيات، إن حكمته البالغة، وعصمته الواجبة، ونبوته الخاتمة، لأعظم مما يظنون؛ علىٰ أن تلك الأحاديث صريحة في أن تلك الولاية إنما تثبت لعلي بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا أيضاً يوجب تعيين المعنىٰ الذي قلناه، ولا يجتمع مع إرادة النصير والمحب وغيرهما؛ إذ لا شك باتصاف علي بنصرة المسلمين ومحبتهم وصداقتهم منذ ترعرع في حجر النبوة، واشتد ساعده في حضن الرسالة، إلىٰ أن قضىٰ نحبه عليه السلام، فنصرته ومحبته وصداقته للمسلمين غير مقصورة علىٰ ما بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما لا يخفىٰ.

وحبسك من القرائن علىٰ تعيين المعنىٰ الذي قلناه، ما أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (5/347) بالطريق الصحيح عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن بريدة، قال: غزوت مع علي اليمن فرأيت منه جفوة، فلما قدمت علىٰ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكرت علياً فتنقصته، فرأيت وجه رسول الله يتغير، فقال: «يا بريدة ألست أولىٰ بالمؤمنين من أنفسهم؟». قلت: بلىٰ يا رسول الله. قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه» اهـ.

وأخرجه الحاكم (3/110) من «المستدرك»، وصححه علىٰ شرط مسلم. وأخرجه الذهبي في «تلخيصه» مسلماً بصحته علىٰ شرط مسلم أيضاً.

وأنت تعلم ما في تقديم قوله: «ألست أولىٰ بالمؤمنين من أنفسهم»؛ من الدلالة علىٰ ما ذكرناه.. ومن أنعم النظر في تلك الأحاديث وما يتعلق بها لا يرتاب فيما قلناه، والحمد لله. «ش».