مراجعة الشيعي عبدالحسين 32
25-03-2023
مراجعة الشيعي عبدالحسين رقم [32]
24 ذي الحجة سنة 1329 هـ
من موارده يوم حدث صلى الله عليه وآله وسلم أم سليم([1])، وكانت من أهل السوابق والحجىٰ، ولها المكانة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بسابقتها وإخلاصها ونصحها، وحسن بلائها، وكان النبي يزورها ويحدثها في بيتها؛ فقال لها في بعض الأيام:
[1] «يا أم سليم إن علياً لحمه من لحمي ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسىٰ» اهـ.
وقد لا يخفىٰ عليك أن هـٰذا الحديث كان اقتضاباً من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، غير مسبب عن شيء إلا البلاغ والنصح لله تعالىٰ في بيان منزلة ولي عهده والقائم مقامه من بعده؛ فلا يمكن أن يكون مخصصاً بغزوة تبوك.
[2] ومثله الحديث الوارد في قضية بنت حمزة حين اختصم فيها علي وجعفر وزيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسىٰ» الحديث.
[3] وكذا الحديث الوارد يوم كان أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح عند النبي، وهو صلى الله عليه وآله وسلم متكئ علىٰ علي، فضرب بيده علىٰ منكبه ثم قال: «يا علي أنت أول المؤمنين إيمانا، وأولهم إسلاما، وأنت مني بمنزلة هارون من موسىٰ..» الحديث.
والأحاديث الواردة يوم المؤاخاة الأولىٰ، وكانت في مكة قبل الهجرة حيث آخىٰ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بين المهاجرين خاصة. ويوم المؤاخاة الثانية، وكانت في المدينة بعد الهجرة بخمسة أشهر، حيث آخىٰ بين المهاجرين والأنصار، وفي كلتا المرتين يصطفىٰ لنفسه منهم علياً؛ فيتخذه من دونهم أخاه تفضيلا له علىٰ من سواه، ويقول له: «أنت مني بمنزلة هارون من موسىٰ، إلا أنه لا نبي بعدي».
والأخبار في ذٰلك متواترة من طريق العترة الطاهرة؛ وحسبك مما جاء من طريق غيرهم في المؤاخاة الأولىٰ؛ حديث زيد بن أبي أوفىٰ؛ وقد أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في كتاب «مناقب علي»، وابن عساكر في «تاريخه»، والبغوي والطبراني في «معجميهما»، والبارودي في «المعرفة»، وابن عدي وغيرهم.
والحديث طويل قد اشتمل علىٰ كيفية المؤاخاة؛ وفي آخره ماهـٰذا لفظه؛ قال علي: يا رسول الله لقد ذهب روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري، فإن كان هـٰذا من سخط علي فلك العتبىٰ والكرامة؛ فقال رسول الله:
[4] «والذي بعثني بالحق ما أخرتك إلا لنفسي؛ وأنت مني بمنزلة هارون من موسىٰ، غير أنه لا بعدي نبي، وأنت أخي ووارثي»، فقال: وما أرث منك؟ قال: «ما ورث الأنبياء من قبلي كتاب ربهم وسنة نبيهم؛ وأنت معي في قصري في الجنة مع فاطمة ابنتي، وأنت أخي ورفيقي، ثم تلا صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾ [الحِجر: 47]. المتاحبين في الله ينظر بعضهم إلىٰ بعض».
وحسبك مما جاء في المؤاخاة الثانية ما أخرجه الطبراني في «الكبير» عن ابن عباس من حديث جاء فيه:
[5] أن رسول الله قال لعلي: «أغضبت علي حين آخيت بين المهاجرين والأنصار ولم أؤاخ بينك وبين أحد منهم، أما ترضىٰ أن تكون مني بمنزلة هارون من موسىٰ؛ إلا أنه ليس بعدي نبي؟» الحديث.
[6] ونحوه الأحاديث الواردة يوم سد الأبواب غير باب علي، وحسبك حديث جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يا علي، إنه يحل لك في المسجد ما يحل لي؛ وإنك مني بمنزلة هارون من موسىٰ، إلا أنه لا نبي بعدي».
[7] وعن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ــ يوم سد الأبواب ــ خطيباً، فقال: «إن رجالاً يجدون في أنفسهم شيئاً أن أسكنت علياً في المسجد وأخرجتهم، والله ما أخرجتهم وأسكنته، بل الله أخرجهم وأسكنه، إن الله عز وجل أوحىٰ إلىٰ موسىٰ وأخيه ﴿ أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَٱجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا ٱلصَّلَاةَ﴾ [يونس: 87]»، إلىٰ أن قال: «وإن علياً مني بمنزلة هارون من موسىٰ، وهو أخي، ولا يحل لأحد أن ينكح فيه النساء إلا هو..» الحديث.
وكم لهـٰذه الموارد من نظائر لا تحصر في هـٰذه العجالة، لكن هـٰذا القدر كاف لما أردناه من تزييف القول بأن حديث المنزلة مخصص بمورده من غزوة تبوك، وأي وزن لهـٰذا القول مع تعدد موارد الحديث.
ومن ألم بالسيرة النبوية، وجده صلى الله عليه وآله وسلم يصور علياً وهارون كالفرقدين علىٰ غرار واحد؛ لا يمتاز أحدهما عن الآخر في شيء، وهـٰذا من القرائن الدالة علىٰ عموم المنزلة في الحديث، علىٰ أن عموم المنزلة هو المتبادر من لفظه بقطع النظر عن القرائن كما بيناه، والسلام.
([1]) كذا قال عبدالحسين «أمّ سليم»، وفي الحاشية ترجمة أم سليم بنت ملحان! وسيأتي في كافّة المصادر أن راوي هذا الحديث هي أمّ سلمة.