مراجعة الشيعي عبدالحسين رقم [30]

22 ذي الحجة سنة 1329 هـ

نحن نوكل الجواب عن قولهم بعدم عموم الحديث إلىٰ أهل اللسان والعرف العربيين، وأنت حجة العرب لا تدافع، ولا تنازع، فهل ترىٰ أمتك ــ أهل الضاد ــ يرتابون في عموم المنزلة من هـٰذا الحديث.

كلا وحاشا مثلك أن يرتاب في عموم اسم الجنس المضاف وشموله لجميع مصاديقه؛ فلو قلت: منحتكم إنصافي مثلاً؛ أيكون إنصافك هـٰذا خاصاً ببعض الأمور دون بعض، أم عاماً شاملاً لجميع مصاديقه؟ معاذ الله أن تراه غير عام، أو يتبادر منه إلا الاستغراق، ولو قال خليفة المسلمين لأحد أوليائه: جعلت لك ولايتي علىٰ الناس، أو منزلتي منهم، أو منصبي فيهم، أو ملكي؛ فهل يتبادر إلىٰ الذهن غير العموم؟ وهل يكون مدعي التخصيص ببعض الشؤون دون بعض إلا مخالفاً مجازفاً؟، ولو قال لأحد وزرائه: لك في أيامي منزلة عمر في أيام أبي بكر إلا إنك لست بصحابي؛ أكان هـٰذا بنظر العرف خاصاً ببعض المنازل أم عاماً؟ ما أراك والله تراه إلا عاماً، ولا أرتاب في أنك قائل بعموم المنزلة في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أنت مني بمنزلة هارون من موسىٰ»، قياسا علىٰ نظائره في العرف واللغة، ولا سيما بعد استثناء النبوة فإنه يجعله نصاً في العموم، والعرب ببابك، فسلها عن ذٰلك.

أما قول الخصم بأن الحديث خاص بمورده فمردود من وجهين:

الوجه الأول: إن الحديث في نفسه عام كما علمت؛ فمورده ــ لو سلمنا كونه خاصاً ــ لا يخرجه عن العموم، لأن المورد لا يخصص الوارد كما هو مقرر في محله. ألا ترىٰ لو رأيت الجنب يمس آية الكرسي مثلاً، فقلت له: لا يمسن آيات القرآن محدث، أيكون هـٰذا خاصاً بمورده، أم عاماً شاملاً لجميع آيات القرآن ولكل محدث؟ ما أظن أحداً يفهم كونه خاصاً بمس الجنب بخصوصه لآية الكرسي بالخصوص؛ ولو رأىٰ الطبيب مريضاً يأكل التمر، فنهاه عن أكل الحلو، أيكون في نظر العرف خاصاً بمورده، أم عاماً شاملاً لكل مصاديق الحلو؟ ما أرىٰ والله القائل بكونه خاصاً بمورده إلا في منتزح عن الأصول، بعيداً عن قواعد اللغة، نائياً عن الفهم العرفي، أجنبياً عن عالمنا كله، وكذا القائل بتخصيص العموم في حديث المنزلة بمورده من غزوة تبوك لا فرق بينهما أصلاً.

الوجه الثاني: إن الحديث لم تنحصر موارده باستخلاف علي علىٰ المدينة في غزوة تبوك ليتشبث الخصم بتخصيصه به، وصحاحنا المتواترة عن أئمة العترة الطاهرة تثبت وروده في موارد أخر فليراجعها الباحثون، وسنن أهل السنّة تشهد بذٰلك كما يعلمه المتتبعون، فقول المعترض بأن سياق الحديث دال علىٰ تخصيصه بغزوة تبوك مما لا وجه له إذاً، كما لا يخفىٰ.

أما قولهم بأن العام المخصوص ليس بحجة في الباقي؛ فغلط واضح، وخطأ فاضح، وهل يقول به في مثل حديثنا إلا من يعتنف الأمور، فيكون منها علىٰ عماء، كراكب عشواء، في ليلة ظلماء، نعوذ بالله من الجهل، والحمد لله علىٰ العافية.

إن تخصيص العام لا يخرجه عن الحجية في الباقي إذا لم يكن المخصص مجملاً، ولا سيما إذا كان متصلاً كما في حديثنا، فإن المولىٰ إذا قال لعبده: أكرم اليوم كل من زارني إلا زيداً، ثم ترك العبد إكرام غير زيد ممن زار مولاه يعد في العرف عاصياً، ويلومه العقلاء، ويحكمون عليه باستحقاق الذم، والعقوبة علىٰ قدر ما تستوجبه هـٰذه المعصية عقلاً أو شرعاً، ولا يصغي أحد من أهل العرف إلىٰ عذره لو اعتذر بتخصيص هـٰذا العام، بل يكون عذره أقبح عندهم من ذنبه، وهـٰذا ليس إلا لظهور العام ــ بعد تخصيصه ــ في الباقي، كما لا يخفىٰ، وأنت تعلم أن سيرة المسلمين وغيرهم مستمرة علىٰ الاحتجاج بالعمومات المخصصة بلا نكير، وقد مضىٰ الخلف علىٰ ذٰلك والسلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وتابعي التابعين وتابعيهم إلىٰ الآن، ولا سيما أئمة أهل البيت وسائر أئمة المسلمين، وهـٰذا مما لا ريب فيه، وحسبك به دليلا علىٰ حجية العام المخصوص.

ولولا أنه حجة لانسد علىٰ الأئمة الأربعة وغيرهم من المجتهدين باب العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية، فإن رحىٰ العلم بذٰلك تدور علىٰ العمل بالعمومات، وما من عام إلا وقد خص، فإذا سقطت العمومات ارتج باب العلم، نعوذ بالله، والسلام.