نقد مراجعة الشيعي عبدالحسين رقم [28]

لا شكّ عندنا في صحّة «حديث المنزلة»، وتشكيك الآمدي في صحّة الحديث لم أجده، وإنما وجدت إنكار الآمدي علىٰ الشيعة في دلالة حديث المنزلة، كما هو قول أهل السُّنة([1]).

وأمّا دعوىٰ عبدالحسين أنه يرىٰ هذا الحديث نصّاً صريحاً لا يمكن التّخلص منه؛ فلا أدري كيف علم ذٰلك!!

وأمّا دعواه إن البخاري يغتصب نفسه عند خصائص علي وفضائل أهل البيت اغتصاباً.

فأقول: هل شقّ عن قلبه؟ بل إني أعلم ــ علماً هو كاليقين ــ إن الإمام البخاري: يحبّ علياً وآل بيت النّبي  أكثر من حبّ عبدالحسين لهم بكثير، بل لا مقارنة([2]).

كما أنه يعلم ــ قطعاً ــ أن الإمام البخاري أخرج في «صحيحه» كثيراً من الأحاديث في فضل علي وفاطمة والحسن والحسين وابن عبّاس وجعفر وأزواج النّبي  وآل البيت عموماً، وإني أحسب الإمام البخاري قد وضع أقدامه في جنّات النّعيم، جعلنا الله تعالىٰ من أهلها.

وإن من أمانة أهل السُّنة وصدقهم إنه علىٰ كثرة ما يتّهمهم به عبدالحسين وطائفته من بغض آل البيت ظلماً وزوراً، وعلىٰ كثرة ما يدّعون من كذبنا لمعاوية؛ فلا نجد في «صحيح البخاري» حديثاً واحداً في فضل معاوية، بينما نجد عشرات الأحاديث في فضائل آل البيت. وكذا الأمر في «صحيح مسلم»، وهـٰذه شهادةٌ لأهل السُّنة تدلّ علىٰ علو شأنهم وسلامة دينهم.

وأمّا سبّه لخال المؤمنين معاوية رضي الله عنه ونعته بالوقاحة؛ فهي وقاحةٌ منه وسوء أدب، وكل إناء بالذي فيه ينضح.

ولم يثبت ــ فيما أعلم ــ أن معاوية سبّ علياً رضي الله عنه، أو أمر بسبّه صراحةً، أو سبّ علي أمامه وأقرّ سابّه. وحقيقة الأمر أن معاوية سأل سعد بن أبي وقّاص: ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟ فأجاب سعدٌ رضي الله عنه بما يعلم من فضل علي وأقرّه معاوية علىٰ ذٰلك.

بل المشهور أن معاوية لمّا صالح علياً بعد وقعة صفّين؛ قال للكاتب: «ابدأ باسمه قبل اسمي؛ لسابقته وفضله»([3]).

ومعاوية ــ كما اعترف عبدالحسين في مراجعته ــ ممّن روىٰ حديث المنزلة، بل أنكر علىٰ الرّجل كراهيته لعلي، فهـٰذا إنصاف معاوية، فأين إنصافهم؟

وانتصر معاوية لعلي في حكومة، ولم يكن علي حاضراً، فلمّا ذكر ذلك لعلي قال لمن بلغه الخبر: أتدري لم فعل ذٰلك معاوية؟ فعل من أجل المنافية، أي لأجل إنا جميعاً من بني عبد مناف([4]).

إنها صلة القرابة بين علي ومعاوية رضي الله عنهما:

فعلي هو ابن أبي طالب بن عبدالمطّلب بن هاشم.

ومعاوية هو ابن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس.

وهاشمٌ وعبد شمس أخوان توأمٌ أبوهما عبد مناف.

ثمّ ما وجه الاستدلال بهـٰذا الحديث علىٰ إمامة علي بعد النّبي  مباشرةً؟ والذي يظهر إنه بعيدٌ لعدّة أمور:

الأول: إن الرّسول  إنما قال هـٰذا الكلام استرضاءً لعلي لمّا جاءه يشتكي، ولم يذكره ابتداءً، بل ظاهر الحديث يدلّ علىٰ أنه لو لم يأته علي لما قال النّبي  له هذا الكلام، والله أعلم.

الثاني: إن النّبي  ذكر منزلةً واحدةً لهارون عليه السلام وهي: استخلاف موسىٰ له. فأين العموم لجميع المنازل من الفضل والمكانة؟

الثالث: دعوىٰ استغراق جميع منازل هارون؛ غير مقبولة لأمور:

  1. هارون كان نبيا مع موسىٰ ؟ز بتكليف من الله تعالىٰ، وعلي ليس كذٰلك.
  2. هارون أخٌ شقيقٌ لموسىٰ، وعلي ليس كذٰلك.
  3. هارون بقي معه جلّ بني إسرائيل، وإنما خرج مع موسىٰ سبعون رجلاً فقط، وعلي علىٰ العكس من هـٰذا؛ إذ لم يبق معه أحدٌ إلّا النّساء والصّبية والمنافقون والمذنبون والمعذورون ومن أمرهم النبي بالبقاء كمحمد بن مسلمة.
  4. هارون مات قبل موسىٰ كما هو معلومٌ، وعلي ليس كذٰلك.
  5. انتهت مهمّة هارون برجوع موسىٰ، قال موسىٰ لأخيه هارون: ﴿ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي﴾ [الأعرَاف: 142]، فكذٰلك علي خلف النّبي في أهله فترة ذهابه فقط.
  6. ثمّ بعدها بعام أرسل النّبي علياً إلىٰ اليمن، وخرج هو إلىٰ الحجّ، ولم يجعله خليفةً له.
  7. لو أراد النبي تفضيل علي في المنازل كلها؛ لكان واضحاً بذاك مبيناً، وهو أفصح الخلق وأوتي جوامع الكلم كما في «الصّحيح»([5]).
  8. جاء في كتب السّير والتّاريخ إن علياً ما كان خليفةً علىٰ المدينة عام تبوك، بل كان الأمير محمد بن مسلمة، وكان علي علىٰ أهل بيت النّبي فقط، وليس علىٰ كل أهل المدينة.

 

([1])        انظر: «غاية المرام في علم الكلام» لأبي الحسن للآمدي (374 ــ 380).

([2])       وإلا فما الذي يجبر البخاري على إخراج هذا الحديث طالما أنه لا يريد إخراجه؟!

([3])       «البداية والنهاية» (7/288).

([4])       «منهاج السنة النبوية» (6/103)، بتصرف.

([5])       «صحيح البخاري» (2977)، «صحيح مسلم» (523).