مراجعة الشيعي عبدالحسين رقم [28]

19 ذي الحجة سنة 1329 هـ

ظلم الآمدي ــ بهـٰذا التشكيك ــ نفسه، فإن حديث المنزلة من أصح السنن وأثبت الآثار.

لم يختلج في صحة سنده ريب، ولا سنح في خواطر أحد أن يناقش في ثبوته ببنت شفة، حتىٰ إن الذهبي ــ علىٰ تعنته ــ صرح في «تلخيص المستدرك» بصحته، وابن حجر الهيتمي ــ علىٰ محاربته «بصواعقه» ــ ذكر الحديث في الشبهة 12 من «الصواعق»، فنقل القول بصحته عن أئمة الحديث الذين لا معول فيه إلا عليهم، فراجع. ولولا أن الحديث بمثابة من الثبوت؛ ما أخرجه البخاري في كتابه، فإن الرجل يغتصب نفسه عند خصائص علي وفضائل أهل البيت اغتصاباً.

ومعاوية كان إمام الفئة الباغية، ناصب أمير المؤمنين وحاربه، ولعنه علىٰ منابر المسلمين، وأمرهم بلعنه، لكنه ــ بالرغم عن وقاحته في عدوانه؛ لم يجحد حديث المنزلة، ولا كابر فيه سعد بن أبي وقاص حين قال له ــ فيما أخرجه مسلم: ما منعك أن تسب أبا تراب؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله، فلن أسبه، لأن تكون لي واحدة منها أحب إلي من حمر النعم؛ سمعت رسول الله يقول له وقد خلفه في بعض مغازيه: «أما ترضىٰ أن تكون مني بمنزلة هارون من موسىٰٰ إلا أنه لا نبوة بعدي» الحديث. فأبلس معاوية، وكف عن تكليف سعد.

أزيدك علىٰ هـٰذا كله أن معاوية نفسه حدث بحديث المنزلة، قال ابن حجر في «صواعقه»: أخرج «أحمد» أن رجلاً سأل معاوية عن مسألة، فقال: سل عنها علياً فهو أعلم. قال: جوابك فيها أحب إلي من جواب علي. قال: بئس ما قلت! لقد كرهت رجلاً كان رسول الله يغره بالعلم غراً، ولقد قال له: «أنت مني بمنزلة هارون من موسىٰ إلا أنه لا نبي بعدي». وكان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذ منه.. إلىٰ آخر كلامه.

وبالجملة فإن حديث المنزلة مما لا ريب في ثبوته بإجماع المسلمين. علىٰ اختلافهم في المذاهب والمشارب.

وقد أخرجه صاحب «الجمع بين الصحاح الستة»، وصاحب «الجمع بين «الصحيحين»، وهو موجود في غزوة تبوك من «صحيح البخاري»، وفي باب فضائل علي من «صحيح مسلم»، وفي باب فضائل أصحاب النبي من سنن ابن ماجه، وفي مناقب علي من «مستدرك» الحاكم.

وأخرجه الإمام أحمد في «مسنده» من حديث سعد بطرق إليه كثيرة، ورواه في «المسند» أيضاً من حديث كل من: ابن عباس، وأسماء بنت عميس، وأبي سعيد الخدري، ومعاوية بن أبي سفيان، وجماعة آخرين من الصحابة، وأخرجه الطبراني من حديث كل من: أسماء بنت عميس، وأم سلمة، وحبيش بن جنادة، وابن عمر، وابن عباس، وجابر بن سمرة، وزيد بن أرقم، والبراء بن عازب، وعلي بن أبي طالب، وغيرهم.

وأخرجه البزار في «مسنده»، والترمذي في «صحيحه» من حديث أبي سعيد الخدري.

وأورده ابن عبدالبر في أحوال علي من «الاستيعاب»، ثم قال ماهـٰذا نصه: «وهو من أثبت الآثار وأصحها، رواه عن النبي سعد بن أبي وقاص، (قال) وطرق حديث سعد فيه كثيرة جداً، ذكرها ابن أبي خيثمة وغيره، (قال) ورواه ابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وأم سلمة، وأسماء بنت عميس، وجابر بن عبدالله، وجماعة يطول ذكرهم». هـٰذا كلام ابن عبدالبر.

وكل من تعرض لغزوة تبوك من المحدثين وأهل السير والأخبار؛ نقلوا هـٰذا الحديث، ونقله كل من ترجم علياً من أهل المعاجم في الرجال من المتقدمين والمتأخرين علىٰ اختلاف مشاربهم ومذاهبهم، ورواه كل من كتب في مناقب أهل البيت، وفضائل الصحابة من الأئمة، كأحمد بن حنبل، وغيره ممن كان قبله أو جاء بعده، وهو من الأحاديث المسلمة في كل خلف من هـٰذه الأمة.

فلا عبرة بتشكيك الآمدي في سنده فإنه ليس من علم الحديث في شيء، وحكمه في معرفة الأسانيد والطرق حكم العوام لا يفقهون حديثاً، وتبحره في علم الأصول هو الذي أوقعه في هـٰذه الورطة، حيث رآه بمقتضىٰ الأصول نصاً صريحاً لا يمكن التخلص منه إلا بالتشكيك في سنده، ظناً منه أن هـٰذا من الممكن. وهيهات هيهات ذٰلك، والسلام.