مراجعة الشيعي عبدالحسين رقم [26]

17 ذي الحجة سنة 1329 هـ

حسبك من النصوص بعد حديث الدار ما قد أخرجه الإمام أحمد في «مسنده»، والإمام النسائي في «خصائصه العلوية»([1])، والحاكم في «صحيحه المستدرك»، والذهبي في «تلخيصه» معترفا بصحته، وغيرهم من أصحاب «السنن» بالطرق المجمع علىٰ صحتها([2])؛ عن عمرو بن ميمون، قال: «إني لجالس عند ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط، فقالوا: يا ابن عباس إما أن تقوم معنا، وإما أن تخلو بنا من بين هـٰؤلاء. فقال ابن عباس: بل أنا أقوم معكم. قال: «وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمىٰ».. قال: «فابتدؤوا، فتحدثوا، فلا ندري ما قالوا، قال: «فجاء ينفض ثوبه ويقول: أف وتف، وقعوا في رجل له بضع عشرة فضائل ليست لأحد غيره:

[1]([3]) وقعوا في رجل قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لأبعثن رجلاً لا يخزيه الله أبداً، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله»، فاستشرف لها من استشرف، فقال: «أين علي؟». فجاء وهو أرمد لا يكاد أن يبصر، فنفث في عينيه، ثم هز الراية ثلاثاً، فأعطاها إياه، فجاء علي بصفية بنت حيي([4]).

[2] قال ابن عباس: ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلاناً بسورة التوبة، فبعث علياً خلفه، فأخذها منه وقال: «لا يذهب بها إلا رجل مني وأنا منه».

[3] قال ابن عباس: وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبني عمه: «أيكم يواليني في الدنيا والآخرة؟». قال وعلي جالس معه فأبوا، فقال علي: أنا أواليك في الدنيا والآخرة. قال: «أنت وليي في الدنيا والآخرة». قال فتركه، ثم قال: «أيكم يواليني في الدنيا والآخرة؟». فأبوا، وقال علي: أنا أواليك في الدنيا والآخرة. فقال لعلي: «أنت وليي في الدنيا والآخرة».

[4] قال ابن عباس: وكان علي أول من آمن من الناس بعد خديجة.

[5] قال: وأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثوبه، فوضعه علىٰ علي وفاطمة وحسن وحسين، وقال: «﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾  [الأحزاب: 33]».

[6] قال: وشرىٰ علي نفسه فلبس ثوب النبي، ثم نام مكانه وكان المشركون يرمونه.

[7] إلىٰ أن قال: وخرج رسول الله في غزوة تبوك وخرج الناس معه فقال له علي: أخرج معك؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «لا». فبكىٰ علي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أما ترضىٰ أن تكون مني بمنزلة هارون من موسىٰ، إلا أنه ليس بعدي نبي، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي».

[8] وقال له رسول الله: «أنت ولي كل مؤمن بعدي ومؤمنة».

[9] قال ابن عباس: وسد رسول الله أبواب المسجد غير باب علي، فكان يدخل المسجد جنباً وهو طريقه ليس له طريق غيره.

[10] قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من كنت مولاه، فإن مولاه علي..» الحديث. قال الحاكم بعد إخراجه: «هـٰذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهـٰذه السياقة». قلت: وأخرجه الذهبي في «تلخيصه»، ثم قال: «صحيح».

ولا يخفىٰ ما فيه من الأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة، علىٰ أن علياً ولي عهده، وخليفته من بعده، ألا ترىٰ كيف جعله صلى الله عليه وآله وسلم وليه في الدنيا والآخرة، آثره بذٰلك علىٰ سائر أرحامه، وكيف أنزله منه منزلة هارون من موسىٰ، ولم يستثن من جميع المنازل إلا النبوة، واستثناؤها دليل علىٰ العموم.

وأنت تعلم: أن أظهر المنازل التي كانت لهارون من موسىٰ وزارته له وشد أزره به، واشتراكه معه في أمره، وخلافته عنه، وفرض طاعته علىٰ جميع أمته بدليل قوله: ﴿وَٱجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾  [طٰه: 29-32]. وقوله: ﴿ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ﴾  [الأعرَاف: 142]. وقوله عز وعلا: ﴿قَالَ قَدْ أُوتِيْتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى﴾  [طٰه: 36]. فعلي بحكم هـٰذا النص خليفة رسول الله في قومه، ووزيره في أهله، وشريكه في أمره ــ علىٰ سبيل الخلافة عنه لا علىٰ سبيل النبوة ــ وأفضل أمته، وأولاهم به حياً وميتاً، وله عليهم من فرض الطاعة زمن النبي ــ بوزارته له ــ مثل الذي كان لهارون علىٰ أمة موسىٰ زمن موسىٰ، ومن سمع حديث المنزلة فإنما يتبادر منه إلىٰ ذهنه هـٰذه المنازل كلها، ولا يرتاب في إرادتها منه.

وقد أوضح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأمر فجعله جلياً بقوله: «إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي». وهـٰذا نص صريح في كونه خليفته، بل نص جلي في أنه لو ذهب ولم يستخلفه كان قد فعل ما لا ينبغي أن يفعل، وهـٰذا ليس إلا لأنه كان مأموراً من الله عز وجل باستخلافه، كما ثبت في تفسير قوله تعالىٰ: ﴿ يَاأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾  [المَائدة: 67]. ومن تدبر قوله تعالىٰ في هـٰذه الآية: ﴿ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ ، ثم أمعن النظر في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي»؛ وجدهما يرميان إلىٰ غرض واحد كما لا يخفىٰ، ولا تنس قوله صلى الله عليه وآله وسلم في هـٰذا الحديث: «أنت ولي كل مؤمن بعدي»، فإنه نص في أنه ولي الأمر وواليه والقائم مقامه فيه، كما قال الكميت رحمه الله تعالىٰ:

ونعم ولي الأمر بعد وليه 

                                    ومنتجع التقوىٰ ونعم المؤدب

والسلام.

 

([1])        أي كتاب «الخصائص».

([2])       هذا القول فيه ثلاثة أكاذيب بينها الألباني في آواخر المراجعة (20)، الفقرة (سابعاً).

([3])       هذا الترقيم زيادةٌ بقلمي؛ لتسهيل الربط بين هذه الفقرات هنا وبين الرّدّ عليها في موضع نقد هذه المراجعة.

([4])       انظر الرّدّ علىٰ هذه الفقرة (1)، تحت مبحث: «الكلام علىٰ ما ذكر في الحديث من الفضائل العشرة».