الأنبياء والرسل هم أشرف الخلق وأكملهم
25-02-2023
الأنبياء والمرسلون أفضل من جميع البشر فهم الخُلَّص من عباد الله تبارك وتعالى ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى ٱلْعَالَمِينَ﴾، اصطفاهم الله ــ جل وعلا ــ، وهذا الاصطفاء من الله لا يكون أبداً محاباةً، ولكن الاصطفاء من الله ــ جل وعلا ــ يكون معه زيادة تكليف دائماً، فالمعلوم أن الذكر أفضل من الأنثى، ﴿ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾، ولهذا أوجب على الرجال ما لم يوجِبْ على النساء، فيجب عليهم حضور الجماعات، ويجب عليهم الجهاد، ويجب عليهم الدعوة، والهجرة والخروج في سبيل الله تبارك وتعالى للدعوة، ونشر هذا الدين العظيم، وغير ذلك كثير مما لم تؤمرْ به النساء، ولذلك لما استأذنت عائشة النبي ﷺ في الجهاد؛ قال ﷺ: «جهادكن الحج»([1]).
إذاً وافق زيادة التفضيل زيادة التكليف، ولما فُضِّلَ الأحرارُ على العبيد أوجبَ على الأحرار ما لم يوجبْ على العبيد، حتى قال بعض أهل العلم: إنه لا يجب على العبد الحج، ولا يجب عليه الجهاد، ولا تجب عليه صلاة الجماعة، وهكذا غيرها كثير؛ لأن زيادة التفضيل فيها زيادة التكليف.
وفضَّل الله تبارك وتعالى الأنبياء على سائر الخلق، وزاد من تكليف الأنبياء، وأوجب عليهم ما لم يوجب على الناس من الأمر بالدعوة إلى الله، حتى قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ﴾، فالشاهد أن الله تعالى فضّل الأنبياء وزاد من تكليفهم، ولذلك يجوز لنا في القتال أن نفرَّ إذا كان العدو أكثر من الضعف، أما النبي فإنه لا يجوز له أن يفرَّ بأي حال من الأحوال، فأوجب عليه ما لم يوجب على غيره.
والمرسلون أفضل من الأنبياء فزاد تكليفهم على الأنبياء كما سيأتي في تعريف النبي والرسول.
وأولوا العزم إنما سُموا أولوا العزم؛ للمشقة التي لاقَوْها في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، فهذا إبراهيم ــ عليه الصلاة والسلام ــ، وموسى، ونوح، وعيسى، ومحمد ﷺ، هؤلاء الرسل الخمسة قاسوا مِنَ المعاناة، والجهد، والبذل في سبيل الدعوة إلى الله تبارك وتعالى ما لم يقُمْ به غيرهم، وما كان هذا إلا لأن الله فضّلهم على غيرهم من البشر، فزاد من تكليفهم، فكلنا نعرف قصة موسى، وما لاقاه إبراهيم، وما وقع له مع أبيه، ومع ملك بابل، ومع أهله، ومع قومه، ومع أولاده، وكلنا يعرف نوحاً، وكم مكثَ في قومه يدعو إلى الله تبارك وتعالى، وأما عيسى؛ فإنه بذل الشيء الكثير، ولم ينته دوره بعد، وسينزل مرةً ثانية إلى هذه الأرض حتى يكمل دعوته، ولا يخفى على الجميع دور سيدنا محمد ﷺ في الدعوة إلى الله عز وجل.
فالأنبياء إذاً هم خير البشر، وقد أجمع أهل العلم على أن من فضل غير الأنبياء عليهم فإنه كافر.
لكن الأنبياء أنفسهم يَفْضُل بعضُهم بعضاً، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ ٱلنَّبِيِّينَ عَلَى بَعَضٍ﴾ وقال: ﴿تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾، فالله يُفَضّل بعض الأنبياء وبعض المرسلين على بعض، ولذلك قلنا: إن الرسل أفضل من الأنبياء، وأولوا العزم أفضل من سائر الرسل، وسيدنا محمد ﷺ هو سيد أولي العزم، ولذلك جاء عنه أنه قال: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر»([2])، وقال الله تبارك وتعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾، ويقول ﷺ: «فضلت على الأنبياء بسِتٍ: أُعْطِيتُ جوامع الكلم، ونُصِرْتُ بالرعب مسيرة شهر»([3])، وذلك في تبوك لما خرج ــ صلوات الله وسلامه عليه ــ إلى تبوك نَصَرَهُ الله بالرعب، فألقى الرعب في قلوب النصارى، ففروا وتركوا الغنائم، ولم يقاتل، ورجع بالغنائم ﷺ.
وقال: «وأحلت لي الغنائم»، وذلك أن الأنبياء السابقين إذا كانوا في قتال لا يغنمون شيئاً، وإنما إذا انتهى القتال جُمعت الغنائم في مكان، فنزلت نار من السماء، فأخذتها([4])، ولم تُحلَّ الغنائم إلا لنبينا محمد ﷺ.
وقال: «وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فعنده مسجده وطهوره»([5])يصلي المسلم في أي مكان عدا الأماكن التي جاء النهي عنها كالمقبرة والحمام([6])، وقال: «وأرسلت إلى الناس كافة»([7]).
ورُسُل الله هم الكُمّل من الناس كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾، فهم الكُمّل في الخَلق، خَلْقُهم حسن، أحسن الله تقويمهم سبحانه وتعالى، وسيأتينا في قصة موسى عليه السلام لما قالوا: إنه آدر، وكيف برّأه الله مما قالوا.
وكذا هم الكُمّل في الخُلُق كما قال الله تبارك وتعالى عن نبيه محمد ﷺ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾، وقالت بنت الرجل الصالح: ﴿يَاأَبَتِ ٱسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَأْجَرْتَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْأَمِينُ﴾ .
وهم الكُمّل في النسب، فلم يبعث الله تبارك وتعالى نبياً من العبيد، وإنما الأنبياء كلهم أحرار.
وكذلك هم الكُمّل في العقل، فعقولهم راجحة، وذكاؤهم حاد كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ﴾ فالله تبارك وتعالى أعطاه الحجة والبيان لمَّا ناظر قومه، ولما ناظَرَ الملك أظهر الله تبارك وتعالى الحجة معه، وكذا موسى، وكذا محمد ﷺ، ونوح، وغيرهم من الأنبياء.
وهم كُمّل في الصبر في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، وكُمّل في الجهاد، وكُمّل في العبادة، فهم الكُمّل من خَلْقِ الله صلوات الله وسلامه عليهم.
([1]) أخرجه البخاري (2875). وفي لفظ أخرجه ابن ماجه (2901): قلت: يا رسول الله على النساء جهاد؟ قال: «نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة»، وصححه الألباني رحمه الله.
([2]) بهذا اللفظ أخرجه الترمذي (3148، 3615)، وابن ماجه (4308) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.
وأخرجه مسلم (2278) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة».
([3]) أخرجه البخاري بنحوه (2977)، أخرجه مسلم بلفظه (523) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
([4]) أخرج الترمذي (3085) عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: «لم تحلَّ الغنائم لأحدِ سودِ الرؤوسِ من قبلكم كانت تنزل نار من السماء فتأكلها»، وهو في «صحيح الجامع» (5196). وقد ورد أيضاً أكل النار للغنائم كما في قصة حبس الشمس على يوشع بن نون عليه السلام أخرجه البخاري (3124)، ومسلم (1747).
([5]) أخرجه البخاري (335)، ومسلم (521) من حديث جابر رضي الله عنه.
([6]) أخرجه أبو داود (492)، والترمذي (317)، وابن ماجه (745) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه، وهو في «صحيح الجامع» (2767).