نقد مراجعة الشيعي عبدالحسين رقم [16]

ذكر عبدالحسين فيها مئة راو، وزعم إنهم ممّن احتجّ بهم أهل السُّنة، وإنهم جميعاً من الشيعة. وقبل تحقيق ودراسة ما ذكره من أحوالهم؛ أسوق مقدمة في حكم رواية المخالفين لأهل السُّنة، وهم من يسمّون بالمبتدعة؛ لقول النّبي  في الحديث الصّحيح: «كل محدثة بدعةٌ»([1])، ولا شكّ إن ما خالف ما كان عليه عهد الرّسول  فهو محدثٌ أي: بدعةٌ.

رواية المبتدع عند أهل السُّنة والجماعة:

البدعة ضدّ السُّنة، والمبتدع ضدّ السّنّي.

والبدعة: هي التّقرّب إلىٰ الله عز وجل بغير ما شرّع؛ إذ الأصل أنه لا يعبد الله تعالىٰ إلّا بما شرع، وعليه فالأصل في العبادات التّوقيف، أي: بالنّصّ علىٰها وبيان كيفيتها من الكتاب الكريم والسُّنة النّبوية المطهّرة.

وقد حضّ النّبي  النّاس علىٰ التّمسّك بسنّته فقال: «عليكم بسنّتي»([2]).

وحذّر من البدعة، فقال: «وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعةٌ، وكل بدعة ضلالةٌ»([3]).

وأخبر رسول الله  إن هـٰذه الأمّة ستفترق إلىٰ ثلاث وسبعين فرقةً، واحدةٌ منها فقط علىٰ الحقّ، والبقية مبتدعةٌ، فقال : «افترقت اليهود علىٰ إحدىٰ وسبعين فرقةً؛ فواحدةٌ في الجنّة، وسبعون في النّار. وافترقت النّصارىٰ علىٰ ثنتين وسبعين فرقةً؛ فإحدىٰ وسبعون في النّار، وواحدةٌ في الجنّة. والّذي نفس محمد بيده! لتفترقنّ أمّتي علىٰ ثلاث وسبعين فرقةً؛ واحدةٌ في الجنّة، وثنتان وسبعون في النّار». قيل: يا رسول الله من هم؟ قال: «الجماعة»([4]).

والأصل في هـٰذه الفرق أنها من أمّة الاستجابة، يعني أنهم مسلمون موحّدون وإنْ وقعوا فيما وقعوا فيه من البدعة، وقد يصل الغلو في بعض أرباب هـٰذه البدع إلىٰ حال لا يمكن معها أن يبقىٰ داخل دائرة الإسلام الفسيحة، بل يخرج منها إلىٰ الرّدّة عن دين الله تبارك وتعالىٰ؛ لكون بدعته بدعةً مكفّرةً، ولا يكون من فرق المسلمين.

وإذا كان الأمر كذٰلك؛ فالمبتدع إذاً مسلمٌ، والمسلم مؤتمنٌ علىٰ رواية حديث رسول الله  ما لم يثبت خلاف ذٰلك، وغير المسلم غير مؤتمن علىٰ حديث رسول الله .

وقد يردّ أهل العلم رواية المسلم المبتدع، أو يتوقّفون في قبولها لشكّهم فيها؛ احتياطاً أن ينسب إلىٰ النّبي  ما لم يقله.

وقد اجتهد أهل العلم في وضع القواعد والضّوابط التي يتمكنون بها من معرفة الروايات المقبولة من المردودة، ودوّنواهـٰذه القواعد والضّوابط في كتب صنّفت لخدمة السُّنة النّبوية المشرّفة. وبوّبوا في هذه الكتب أبواباً في شروط قبول الرواية عامّةً، وفي شروط قبول رواية المبتدع خاصّةً، علىٰ النّحو الآتي:

إن كانت بدعة الرّاوي بدعةً مكفّرةً؛ فهـٰذا لا يقبلون روايته لأنه غير مسلم.

وإن كانت بدعته غير مكفّرة؛ فله ستّة أحوال:

  1. أن لا يكون داعيةً إلىٰ بدعته.
  2. أن يكون داعيةً إلىٰ بدعته.
  3. أن يروي أحاديث في نصرة بدعته.
  4. أن يروي أحاديث لا شأن له ببدعته.
  5. أن يستحلّ الكذب لنصرة بدعته.
  6. أن لا يستحلّ الكذب لنصرة بدعته.

وقد ذهب أكثر أهل العلم إلىٰ عدم قبول رواية المبتدع إذا كان داعياً إلىٰ بدعته، أو ممن يستحلّ الكذب لنصرة بدعته وترويجها.

أمّا رواية المبتدع الذي لا يستحلّ الكذب لنصرة مذهبه ولا يدعو لبدعته؛ فأكثر أهل العلم علىٰ قبول روايته، وإن توقّف فيها بعضهم.

قال الإمام مسلمٌ رحمه الله: «واعلم ــ وفّقك الله تعالىٰ ــ أن الواجب علىٰ كل أحد عرف التّمييز بين صحيح الرّوايات وسقيمها، وثقات النّاقلين لها من المتّهمين؛ ألّا يروي منها إلّا ما عرف صحّة مخارجه، والسّتارة في ناقليه، وأن يتّقي منها ما كان منها عن أهل التّهم والمعاندين من أهل البدع»([5]).

وقال النّووي رحمه الله: «قال العلماء من المحدّثين والفقهاء وأصحاب الأصول: المبتدع الذي يكفر ببدعته لا تقبل روايته بالاتّفاق، وأمّا الذي لا يكفر بها؛ فمن العلماء من ردّها مطلقاً لفسقه، ولا ينفعه التّأويل. ومنهم من قبلها إذا لم يستحلّ الكذب في نصرة مذهبه أو لأهل مذهبه، سواء كان داعيةً لبدعته، أو غير داعية. ومنهم من قال: تقبل إذا لم يكن داعيةً إلىٰ بدعته، ولا تقبل إذا كان داعيةً. وهـٰذا مذهب الأكثر من العلماء، وهو الأعدل الصّحيح»([6]).

وقال ابن حجر العسقلاني رحمه الله: «والمفسّق بها كبدع الخوارج والرّوافض الذين لا يغلون ذلك الغلو وغير هؤلاء من الطوائف المخالفين لأصول السُّنة خلافاً ظاهراً لكنه مستندٌ إلىٰ تأويل ظاهره سائغٌ؛ فقد اختلف أهل السُّنة في قبول حديث من هـٰذا سبيله إذا كان معروفاً بالتّحرّز من الكذب، مشهوراً بالسلامة من خوارم المروءة، موصوفاً بالدّيانة والعبادة؛ فقيل: يقبل مطلقاً. وقيل: يردّ مطلقاً. والثّالث: التّفصيل بين أن يكون داعيةً أو غير داعية؛ فيقبل غير الدّاعية، ويردّ حديث الداعية. وهـٰذا المذهب هو الأعدل»([7]).

وقال الذهبي رحمه الله: «لقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع؛ وحدّ الثّقة: العدالة والإتقان؛ فكيف يكون عدلاً من هو صاحب بدعة؟ وجوابه: إن البدعة علىٰ ضربين:

بدعةٌ صغرىٰ: كغلو التّشيع، أو كالتّشيع بلا غلو ولا تحرّف، فهـٰذا كثيرٌ في التّابعين وتابعيهم مع الدّين والورع والصّدق. فلو ردّ حديث هـٰؤلاء؛ لذهب جملةٌ من الآثار النّبوية؛ وهـٰذه مفسدةٌ بينةٌ.

ثمّ بدعةٌ كبرىٰ: كالرّفض الكامل والغلو فيه، والحطّ علىٰ أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، والدّعاء إلىٰ ذٰلك؛ فهـٰذا النّوع لا يحتجّ بهم ولا كرامة. وأيضاً فما أستحضر الآن في هـٰذا الضّرب رجلاً صادقاً ولا مأموناً؛ بل الكذب شعارهم، والتّقية والنّفاق دثارهم؛ فكيف يقبل نقل من هـٰذا حاله؟! حاشا وكلا.

فالشيعي الغالي في زمان السّلف وعرفهم هو من تكلم في عثمان والزّبير وطلحة ومعاوية، وطائفة ممّن حارب علياً رضي الله عنه، وتعرّض لسبّهم.

والغالي في زماننا وعرفنا هو الذي يكفّر هـٰؤلاء السّادة، ويتبرّأ من الشّيخين أيضا، فهـٰذا ضالٌّ معثّرٌ»([8]).

قلت: والغالي في زماننا هو مَنْ يقول بتحريف القرآن، ويدعو غير الله، ويطوف حول القبور، ويدّعي في الأئمة الاثني عشر الربوبية، ويقول: إن لهم نفساً لاهوتية، وغير ذلك من الطوام، فهؤلاء ليسوا بمسلمين.

 

([1])        أخرجه مسلم (863).

([2])       أخرجه أبو داود (4607)، وقال الألباني: «صحيح».

([3])       المصدر السابق.

([4])       تقدم تخريجه في ص9.

([5])       «مقدمة صحيح مسلم» (1/8).

([6])       «مقدمة صحيح مسلم» (1/60).

([7])        «هدي السّاري» (ص385).

([8])       «ميزان الاعتدال» (1/5 ــ 6).