سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي الأعمش
24-03-2023
[39] سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي الأعمش، أحد شيوخ الشيعة وأثبات المحدثين، عدّه في رجال الشيعة جماعة من جهابذة أهل السنّة، كالإمام ابن قتيبة في ــ «المعارف» ــ والشهرستاني في كتاب «الملل والنحل» ــ وأمثالهما، وقال الجوزجاني ــ كما في ترجمة زبيد من «ميزان» الذهبي ــ: «كان من أهل الكوفة قوم لا يحمد الناس مذاهبهم، هم رؤوس محدثي الكوفة، مثل أبي إسحاق ومنصور، وزبيد اليامي، والأعمش، وغيرهم من أقرانهم، احتملهم الناس لصدق ألسنتهم في الحديث». إلىٰ آخر كلامه الدال علىٰ حمقه، وما علىٰ هـٰؤلاء من غضاضة، إذا لم يحمد النواصب مذهبهم في أداء أجر الرسالة بمودة القربىٰ والتمسك بثقلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما احتمل النواصب هـٰؤلاء الشيعة لمجرد صدق ألسنتهم، وإنما احتملوهم لعدم استتغنائهم عنهم، إذ لو ردوا حديثهم لذهبت عليهم جملة الآثار النبوية، كما اعترف به الذهبي ــ في ترجمة أبان بن تغلب من «ميزانه»، وأظن أن المغيرة ما قال أهلك أهل الكوفة أبو إسحاق وأعمشكم إلا لكونهم شيعيين، وإلا فإن أبا إسحاق والأعمش كانا من بحار العلم وسدنة الآثار النبوية، وللأعمش نوادر تدل علىٰ جلالته، فمنها ما ذكره ابن خلكان في ترجمته من «وفيات الأعيان»، قال: «بعث إليه هشام بن عبدالملك أن اكتب لي مناقب عثمان ومساوي علي، فأخذ الأعمش القرطاس وأدخلها في فم شاة فلاكتها، وقال لرسوله: قل له هـٰذا جوابه، فقال له الرسول: أنه قد آلىٰ أن يقتلني إن لم آته بجوابك، وتوسل إليه بإخوانه، فلما ألحوا عليه كتب له: بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد، فلو كان لعثمان مناقب أهل الأرض ما نفعتك، ولو كان لعلي مساوي أهل الأرض ما ضرتك، فعليك بخويصة نفسك، والسلام».
ومنها ما نقله ابن عبدالبر ــ في باب حكم قول العلماء بعضهم في بعض من كتابه «جامع بيان العلم وفضله» عن علي بن خشرم قال: «سمعت الفضل بن موسىٰ يقول دخلت مع أبي حنيفة علىٰ الأعمش نعوده، فقال أبو حنيفة: يا أبا محمد لولا التثقيل عليك لعدتك أكثر مما أعودك، فقال له الأعمش: والله إنك علي لثقيل وأنت في بيتك، فكيف إذا دخلت علي! (قال) قال الفضل: فلما خرجنا من عنده قال أبو حنيفة: إن الأعمش لم يصم رمضان قط، قال ابن خشرم للفضل: ما يعني أبو حنيفة بذٰلك؟ قال الفضل: كان الأعمش يتسحر علىٰ حديث حذيفة»» اهـ.
قلت: بل كان يعمل بقوله تعالىٰ: ﴿ وَكُلُوا وَٱشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلْأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلْأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱللَّيْلِ﴾ [البَقَرَة: 187].
وروىٰ صاحبا «الوجيزة» و«البحار» عن الحسن بن سعيد النخعي، عن شريك بن عبد الله القاضي، قال: «أتيت الأعمش في علته التي مات فيها، فبينا أنا عنده إذ دخل عليه ابن شبرمة، وابن أبي ليلىٰ، وأبو حنيفة، فسألوه عن حاله فذكر ضعفاً شديداً، وذكر ما يتخوف من خطيئاته وأدركته رقة، فأقبل عليه أبو حنيفة فقال له: يا أبا محمد اتق الله، وانظر لنفسك فقد كنت تحدث في علي بأحاديث لو رجعت عنها كان خيراً لك. قال الأعمش: ألمثلي تقول هـٰذا..».
ورد عليه فشتمه بما لا حاجة بنا إلىٰ ذكره، وكان: كما وصفه الذهبي في «ميزانه» أحد الأئمة الثقات، وكما قال ابن خلكان إذ ترجمه في «وفياته»، فقال: «كان ثقة عالما فاضلا».
واتفقت الكلمة علىٰ صدقه وعدالته وورعه، واحتج به أصحاب «الصحاح الستة» وغيرهم ودونك حديثه في «صحيحي» البخاري ومسلم عن كل من زيد بن وهب، وسعيد بن جبير، ومسلم البطين، والشعبي، ومجاهد، وأبي وائل، وإبراهيم النخعي، وأبي صالح ذكوان، وروىٰ عنه عند كل منها شعبة، والثوري، وابن عيينة، وأبو معاوية محمد، وأبو عوانة، وجرير، وحفص بن غياث. ولد الأعمش سنة إحدىٰ وستين، ومات سنة ثمان وأربعين ومئة، رحمه الله تعالىٰ.