ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ
24-03-2023
[50] ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ﴾ [فَاطِر: 32].
القول الصّواب في تأويل هذه الآية:
قال ابن كثير رحمه الله: «ثمّ جعلنا القائمين بالكتاب العظيم ــ المصدّق لما بين يديه من الكتب ــ الّذين اصطفينا من عبادنا، وهم هـٰذه الأمّة، ثمّ قسّمهم إلىٰ ثلاثة أنواع، فقال تعالىٰ: ﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ ؛ وهو المفرّط في بعض الواجبات، المرتكب لبعض المحرّمات. ﴿ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ﴾ ؛ وهو المؤدّي للواجبات، التّارك للمحرّمات، وقد يترك بعض المستحبّات ويفعل بعض المكروهات. ﴿ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ﴾ ؛ وهو الفاعل للواجبات والمستحبّات، التّارك للمحرّمات والمكروهات وبعض المباحات»([1]).
هـٰذا ما يسّره الله في بيان وجه الحقّ في تفسير وتأويل الآيات التي ذكرها في مراجعته، وهي تدلّ علىٰ قضية طالما وقع فيها الكثير من أهل البدع، ألا وهي: التّعسّف في فهم القرآن الكريم، ولي أعناق النّصوص لخدمة أهوائهم. بل لو قلت: والعبث بكتاب الله تعالىٰ؛ لما كان بعيداً!
ثمّ نقل عبدالحسين عن ابن عبّاس أنه قال: «نزل في علي وحده ثلاثمئة آية».
قلت: روىٰ هذا الأثر الخطيب([2])، من طريق جويبر عن الضّحّاك عن ابن عبّاس به. وهو أثرٌ ضعيف جدّاً؛ فيه علّتان:
الأولىٰ: إن جويبر وهو ابن سعيد المفسّر، «ضعيف جدّاً» كما قال الحافظ ابن حجر([3]).
الثانية: الانقطاع؛ لأن الضّحّاك ــ وهو ابن مزاحم الهلالي ــ لم يلق ابن عبّاس رضي الله عنه([4]).
وأخيراً أقول: لقد أغفل كثيراً من الآيات التي نصّ علماؤهم علىٰ أنها نزلت في الأئمّة، ومن باب تثبيت الحقّ أذكر بعضاً مما أغفله من الآيات:
- ﴿ وَقَالَ ٱللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلـٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلـٰهٌ وَاحِدٌ﴾ [النّحل: 51] ؛ قال أبو عبد الله [جعفر الصادق]: «يعني بذٰلك: لا تتخذوا إمامين إنما هو إمامٌ واحدٌ»([5]).
- ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ ٱلْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا﴾ [الفُرقان: 55] ؛ قال القمّي في «تفسيره»: «الكافر الثّاني([6]) وكان علىٰ أمير المؤمنين ظهيراً».
- ﴿ وَلِلَّهِ ٱلْأَسْمَاءُ ٱلْحُسْنَى فَٱدْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعرَاف: 180] ؛ عن أبي عبد الله [جعفر الصادق] قال: «نحن والله الأسماء الحسنىٰ الذي لا يقبل من أحد إلّا بمعرفتنا»([7]).
- ﴿وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ ٱللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجنّ: 18] ؛ قال الصّادق: «إن الإمام من آل محمد فلا تتخذوا من غيرهم إماماً»([8]).
- ﴿ وَأَشْرَقَتِ ٱلْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا﴾ [الزُّمَر: 69] ؛ قال الصّادق: «ربّ الأرض يعني إمام الأرض»([9]).
وأظنّ أن ما قدّمته كفايةً، ولا أظنّه تخفىٰ عليه هـٰذه الروايات، ولكنّه تركها إمّا لظهور نكارتها وبيان غلوهم وبطلانها، أو لحاجة في نفسه الله أعلم بها.
([1]) «تفسير القرآن العظيم» (6/546).
([4]) ذكر الألباني هذا الأثر في «السلسلة الضعيفة» (10/602)، وأعلّه بهاتين العلّتين، وقال: «ضعيف جدّاً».
([5]) انظر: «تفسير البرهان» للبحراني.
([7]) انظر: «تفسير البرهان» للبحراني.
([8]) انظر: «تفسير البرهان» للبحراني، و«تفسير الصّافي» للكاشاني.