[50] ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ﴾  [فَاطِر: 32].

القول الصّواب في تأويل هذه الآية:

قال ابن كثير رحمه الله: «ثمّ جعلنا القائمين بالكتاب العظيم ــ المصدّق لما بين يديه من الكتب ــ الّذين اصطفينا من عبادنا، وهم هـٰذه الأمّة، ثمّ قسّمهم إلىٰ ثلاثة أنواع، فقال تعالىٰ: ﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ ؛ وهو المفرّط في بعض الواجبات، المرتكب لبعض المحرّمات. ﴿ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ﴾ ؛ وهو المؤدّي للواجبات، التّارك للمحرّمات، وقد يترك بعض المستحبّات ويفعل بعض المكروهات. ﴿ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ﴾ ؛ وهو الفاعل للواجبات والمستحبّات، التّارك للمحرّمات والمكروهات وبعض المباحات»([1]).

هـٰذا ما يسّره الله في بيان وجه الحقّ في تفسير وتأويل الآيات التي ذكرها في مراجعته، وهي تدلّ علىٰ قضية طالما وقع فيها الكثير من أهل البدع، ألا وهي: التّعسّف في فهم القرآن الكريم، ولي أعناق النّصوص لخدمة أهوائهم. بل لو قلت: والعبث بكتاب الله تعالىٰ؛ لما كان بعيداً!

ثمّ نقل عبدالحسين عن ابن عبّاس أنه قال: «نزل في علي وحده ثلاثمئة آية».

قلت: روىٰ هذا الأثر الخطيب([2])، من طريق جويبر عن الضّحّاك عن ابن عبّاس به. وهو أثرٌ ضعيف جدّاً؛ فيه علّتان:

الأولىٰ: إن جويبر وهو ابن سعيد المفسّر، «ضعيف جدّاً» كما قال الحافظ ابن حجر([3]).

الثانية: الانقطاع؛ لأن الضّحّاك ــ وهو ابن مزاحم الهلالي ــ لم يلق ابن عبّاس رضي الله عنه([4]).

وأخيراً أقول: لقد أغفل كثيراً من الآيات التي نصّ علماؤهم علىٰ أنها نزلت في الأئمّة، ومن باب تثبيت الحقّ أذكر بعضاً مما أغفله من الآيات:

  1. ﴿ وَقَالَ ٱللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلـٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلـٰهٌ وَاحِدٌ﴾ [النّحل: 51] ؛ قال أبو عبد الله [جعفر الصادق]: «يعني بذٰلك: لا تتخذوا إمامين إنما هو إمامٌ واحدٌ»([5]).
  2. ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ ٱلْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا﴾ [الفُرقان: 55] ؛ قال القمّي في «تفسيره»: «الكافر الثّاني([6]) وكان علىٰ أمير المؤمنين ظهيراً».
  3. ﴿ وَلِلَّهِ ٱلْأَسْمَاءُ ٱلْحُسْنَى فَٱدْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعرَاف: 180] ؛ عن أبي عبد الله [جعفر الصادق] قال: «نحن والله الأسماء الحسنىٰ الذي لا يقبل من أحد إلّا بمعرفتنا»([7]).
  4. ﴿وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ ٱللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجنّ: 18] ؛ قال الصّادق: «إن الإمام من آل محمد فلا تتخذوا من غيرهم إماماً»([8]).
  5. ﴿ وَأَشْرَقَتِ ٱلْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا﴾ [الزُّمَر: 69] ؛ قال الصّادق: «ربّ الأرض يعني إمام الأرض»([9]).

وأظنّ أن ما قدّمته كفايةً، ولا أظنّه تخفىٰ عليه هـٰذه الروايات، ولكنّه تركها إمّا لظهور نكارتها وبيان غلوهم وبطلانها، أو لحاجة في نفسه الله أعلم بها.

 

([1])        «تفسير القرآن العظيم» (6/546).

([2])       «تاريخ بغداد» (6/221).

([3])       «تقريب التهذيب» (994).

([4])       ذكر الألباني هذا الأثر في «السلسلة الضعيفة» (10/602)، وأعلّه بهاتين العلّتين، وقال: «ضعيف جدّاً».

([5])       انظر: «تفسير البرهان» للبحراني.

([6])       يعني عمر.

([7])        انظر: «تفسير البرهان» للبحراني.

([8])       انظر: «تفسير البرهان» للبحراني، و«تفسير الصّافي» للكاشاني.

([9])       انظر: المصدر السابق.