حديث: «ما بقاء النّاس من بعدهم؟ قال: بقاء الحمار إذا كسر صلبه»
23-03-2023
[12] حديث: «ما بقاء النّاس من بعدهم؟ قال: بقاء الحمار إذا كسر صلبه».
حديثٌ حسنٌ لغيره بطريق الإمام أحمد الثّانية كما سيأتي في التخريج من رواية عائشة رضي الله عنها، ونلاحظ بجلاء ووضوح أنه ليس فيه ذكرٌ لآل البيت لا من قريب أو بعيد.
وقد نقل الشيعي عبدالحسين هـٰذا الحديث من «الصواعق» لابن حجر الهيتمي، وهـٰذا الأخير لم يذكر من خرّجه، وإن كان كلامه يوهم أن ابن عساكر خرّجه في «تاريخه»، ولكنه لا يوجد فيه علىٰ حدّ علمي والله أعلم، حيث عطفه الهيتمي علىٰ رواية خرّجها ابن عساكر، بقوله: «وفي رواية»، ثمّ ذكر الحديث.
والحاصل أن كلاً من الشيعي والهيتمي لم يسندا الحديث، ولم يذكرا من خرّجه، ولم ينصّا علىٰ صحّته، وهـٰذا تقصيرٌ كبيرٌ لا يغتفر، بل وأهمل ذٰلك كل من علّق علىٰ كتاب الشيعي «المراجعات»، وكتاب الهيتمي «الصّواعق».
والحديث أخرجه الطّبراني([1])، وابن عدي([2])؛ من طريق سلم بن جنادة، عن أحمد بن بشير([3])، عن مجالد، عن الشّعبي، عن مسروق، عن عائشة..، قالت: قال رسول الله : «أوّل النّاس هلاكاً قومك» قالت: قلت: يا رسول الله! كيف؟ قال: «يستحليهم الموت ويتنافس فيهم([4]). قلت: فما بقاء الناس بعدهم؟ قال: «بقاء الحمار إذا كسر صلبه».
هـٰذا لفظ الطّبراني، ونلاحظ أنه لا يخصّ أهل البيت في شيء.
دراسة إسناد هذا الحديث:
- في إسناده أحمد بن بشير المخزومي، وهو علىٰ مقتضىٰ أقوال العلماء فيه التي لخّصها الحافظ العسقلاني بقوله: «صدوقٌ له أوهامٌ»([5])، إلّا أن هـٰذا الحديث من أوهامه الموصوف بها في كلام الحافظ والتي لم يتابع عليها؛ حيث نصّ علىٰ ذٰلك الإمام ابن عدي فذكر هذا الحديث من مناكيره، وقال: «هـٰذه الأحاديث التي ذكرتها أنكر ما رأيت له، وهو في القوم الذين يكتب حديثهم».
نعم؛ قد خرّج له البخاري والترمذي وابن ماجه، علماً بأن رواية البخاري ليست علىٰ سبيل الاحتجاج، بل هي متابعةٌ في حديث واحد([6]).
قال الحافظ ابن حجر: «أخرج له البخاري حديثاً واحداً، تابعه عليه مروان بن معاوية وأبو أسامة»([7]).
- مجالد بن سعيد الهمداني، وهو ــ علىٰ الصّحيح من أقوال العلماء ــ ضعيف إذا انفرد، ولا بأس به في المتابعات والشّواهد، ولخّص حاله الحافظ العسقلاني بقوله: «ليس بالقوي، وقد تغير في آخر عمره»([8]).
قلت: وهو وإن خرّج له مسلمٌ في «صحيحه»؛ إلّا أن رواية مسلم له مقرونةٌ بغيره وليست احتجاجاً([9]).
تنبيه:
أغفل محقّق «الأوائل» للطّبراني بيان حال أحمد بن بشير، واكتفىٰ ببيان حال مجالد بقول الحافظ المتقدّم ذكره، ومع ذٰلك فقد حسّن الحديث مطلقاً دون تفسير؟! نعم هو حديثٌ حسنٌ لغيره كما سيأتي.
والحديث له طريقان آخران عن عائشة في «مسند» الإمام أحمد:
الأولىٰ: قال الإمام أحمد: حدّثنا موسىٰ بن داود، قال: حدّثنا عبد الله ابن المؤمّل، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة؛ قالت: قال النّبي : «يا عائشة! إن أوّل من يهلك من النّاس قومك». قالت قلت: جعلني الله فداءك! أبني تيم؟ قال: «لا، ولكن هـٰذا الحي من قريش، تستحليهم المنايا، وتنفّس عنهم أوّل النّاس هلاكاً». قلت: فما بقاء النّاس بعدهم؟ قال: «هم صلب النّاس، فإذا هلكوا هلك النّاس»([10]).
الثانية: قال الإمام أحمد: حدّثنا هاشمٌ، قال: حدّثنا إسحاق بن سعيد ــ يعني ابن عمرو بن سعيد بن العاص ــ، عن أبيه، عن عائشة؛ قالت: دخل علي رسول الله وهو يقول: «يا عائشة! قومك أسرع أمّتي بي لحاقاً». قالت: فلمّا جلس قلت: يا رسول الله! جعلني الله فداءك، لقد دخلت وأنت تقول كلاماً ذعرني([11]). فقال: «وما هو؟». قالت: تزعم أن قومي أسرع أمّتك بك لحاقاً؟ قال: «نعم». قالت: وعمّ ذاك؟ قال: «تستحليهم المنايا، فتنفس عليهم أمّتهم». قالت: فقلت: فكيف النّاس بعد ذٰلك أو عند ذٰلك؟ قال: «دبىٰ([12]) يأكل شداده ضعافه حتّىٰ تقوم عليهم السّاعة»([13])والدّبىٰ: الجنادب الّتي لم تنبت أجنحتها([14]).
وأورده الإمام الهيثمي([15]) بتقديم الرواية الثّانية وتأخير الأولىٰ، وقال: «رواه أحمد والبزّار ببعضه، والطّبراني في الأوسط ببعضه أيضاً، وإسناد الرواية الأولىٰ عند أحمد: رجال الصحيح، وفي بقية الرّوايات مقالٌ. يشير الهيثمي إلىٰ ضعف الطريق الأولىٰ عند أحمد؛ لأن فيها عبد الله بن المؤمّل وهو ضعيف، وبقية رجاله ثقاتٌ رجال مسلم، أفاده الألباني، وقال: «هـٰذا سندٌ صحيحٌ علىٰ شرط الشيخين، وللحديث شاهدٌ عن أبي هريرة»([16]).
إذاً ظهر من دراسة هـٰذا الحديث وتخريجه أن اللّفظ الذي أورده الشيعي نقلاً عن «الصواعق» للهيتمي موهماً أنه يخصّ آل البيت وأن الهيتمي يراه كذٰلك؛ هو حديثٌ حسنٌ لغيره بطريق الإمام أحمد الثّانية، ونلاحظ بجلاء أنه ليس فيه ذكرٌ لآل البيت لا من قريب أو بعيد.
والحاصل أنه بعد دراسة هـٰذه الأحاديث الكثيرة التي أوردها الشيعي في هذه المراجعة رقم (8)؛ نجده قد بنىٰ قواعد وأصولاً علىٰ أحاديث ضعيفة لم تثبت، وما أحسن ما قال الأوّل: «أثبت العرش ثمّ انقش ما شئت».
وأمّا تعرّضه لأصحاب النّبي ورضي الله عنهم بقوله في أول مراجعته: «إذ أهاب في الجاهلين، وصرخ في الغافلين..»؛ فهـٰذه عقيدته ــ بل عقيدتهم ــ في أصحاب النّبي ؛ إذ يعتقد الرّافضة كفر أصحاب النّبي ، وهـٰذه والله! إحدىٰ الكبر.
وأذكر هـٰؤلاء بقول الشّاعر رادّاً علىٰ من ذمّ الصّالحين:
شرّ الورىٰ بمساوي النّاس مشتغل
مثــل الذّباب يراعي موضع العلــل
يا ظــالماً جــار فيمــن لا نصيــر له
إلّا المــهيــمــن لا تــغــتــرّ بالمهـل
غــداً تمــوت ويقضــي الله بينكما
بحكمــه الحــقّ لا بالزّيــغ والميــل
كما أن طعنه علىٰ الصّحابة رضي الله عنهم يتعارض مع قوله في المراجعة رقم (4) بأن الصّحابة خير القرون !
وأمّا قوله: «وحسب أئمّة العترة الطاهرة أن يكونوا عند الله ورسوله بمنزلة الكتاب، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه»؛ فهـٰذه دعوىٰ عريضةٌ مبناها علىٰ الغلو في الأئمّة رضي الله عنهم.
ولم يستطع أن يذكر نصوصاً أخرىٰ ــ غير التي أوردها ــ ليدلّل من خلالها علىٰ ما يرمي إليه من أن الأئمّة الاثني عشر هم من يجب اتّباعهم وتسليم الأمر إليهم دون غيرهم.
([3]) في «الكامل» لابن عدي: «زعم أحمد بن بشير» بدلاً من «عن أحمد بن بشير».
([4]) قوله: «يستحليهم الموت»: قال السندي «من استحليت الشّيء رأيته أو وجدته حلواً، أي: تغلبهم المنايا كما يغلب الآكل علىٰ ما وجده حلواً». «حاشية مسند الإمام أحمد» (40/515).
وأما قوله: «يتنافس فيهم»: يفسّره ما جاء في رواية في «مسند الإمام أحمد» (24519، 24596): «وتنفس عليهم أمّتهم»: قال السّندي: «من النّفاسة، أي يحسدونهم».
([7]) «هدي السّاري» (ص385 ــ 386).
([9]) «صحيح مسلم» (1480)، تابعه عن الشّعبي في هـٰذا الحديث جماعةٌ منهم: سيارٌ، وحصينٌ، ومغيرة وغيرهم. أفاد ذٰلك أحمد بن علي بن منجويه الأصبهاني في كتابه «رجال صحيح مسلم» (1691).
([11]) قال السّندي في بحاشية «المسند»: «ذعرني: بذال معجمة وعين مهملة، أي: أفزعني».
([12]) قال السّندي: «دبىٰ: صغار الجراد قبل أن يطير، وقيل: نوعٌ يشبه الجراد، جمع دباة».
([13]) «المسند» (24519، 24596)، واللفظ للموضع الثّاني.
([14]) الظّاهر أن تفسير الدّبىٰ نقله أبو عبدالرّحمٰن عبدالله بن الإمام أحمد؛ حيث جاء في الموضع الأوّل عقب الحديث: «قال أبو عبدالرّحمٰن: فسّره رجلٌ: هو الجنادب الّتي لم تنبت أجنحتها».