حديث ابن عباس
23-03-2023
[11] حديث ابن عباس: «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف [في الدين]([1])، فإذا خالفتها قبيلة من العرب [يعني في أحكام الله ] اختلفوا فصاروا حزب إبليس».
هذا حديثٌ ضعيف جدّاً، وجاء من طريق أخرىٰ إسنادها موضوع، وقبل الخوض في دراسته وتخريجه أنبّه علىٰ أمرين:
الأوّل: إن هـٰذا اللفظ الذي أورده الشيعي لفظٌ محرّفٌ كما سيأتي، وهو محرّفٌ أيضاً في أحد الموضعين في «مستدرك الحاكم»، فهو إذاً تحريفٌ قديمٌ أبدعته قريحة رافضي شعوبي.
واللفظ الصّواب ــ كما في رواية الطّبراني والحاكم وغيرهما ــ: «أمان أهل الأرض من الاختلاف الموالاة لقريش، وقريشٌ أهل الله، فإذا خالفتها قبيلةٌ من العرب؛ صارت حزب إبليس».
فثبت بذلك أن الضمير بتاء التأنيث في قوله: «خالفتها» الذي في اللفظ الأول المحرّف يعود علىٰ قريش، ولكنّ المحرّف بعد أن أبدل «قريش» بــ«أهل بيتي» سها عن إبدال كلمة «خالفتها» إلىٰ «خالفهم» ليستقيم له التّحريف، ولكنّ الله تعالىٰ صرفه عن ذلك ليكتشف التزوير بمجرّد النّظر.
الأمر الثّاني: إن الشيعي تغافل عن تحريف اللفظ الأوّل الذي أورده، والأدهىٰ أنه كتم عن عامّة القرّاء أن الذهبي تعقّب تصحيح الحاكم للحديث بقوله: «بل موضوع، وابن أركون ضعّفوه، وكذا خليدٌ ضعّفه أحمد وغيره»([2])، فأين الأمانة التي أمرنا الله تعالىٰ بها ؟!
تخريج الحديث:
الحديث بلفظه الصّواب الثّاني أخرجه الطّبراني([3])، والحاكم([4])، وتمّامٌ([5])، وأبو نعيم([6])، والعراقي([7])؛ كلهم من طريق إسحاق بن سعيد بن أركون الدّمشقي، عن خليد بن دعلج([8])، عن عطاء، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما، عن رسول الله ، به.
لفظ الطّبراني في «المعجم الكبير»: «أمانٌ لأهل الأرض من الغرق: القوس، وأمانٌ لأهل الأرض من الاختلاف الموالاة لقريش أهل الله، فإذا خالفتها قبيلةٌ من العرب؛ صاروا حزب إبليس». وفي «المعجم الأوسط»: «أمان لأهل الأرض من الاختلاف الموالاة لقريش، قريشٌ أهل الله ــ ثلاث مرّات ــ، فإذا خالفتها قبيلةٌ من العرب صاروا حزب إبليس».
قال الحاكم عقب تخريجه: «صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه»!!
قلت: هـٰذا إسنادٌ ضعيف جدّاً؛ فيه:
- إسحاق بن سعيد بن أركون، وهو ضعيف، قال أبو حاتم: «ليس بثقة، أخرج إلينا كتاباً عن محمد بن راشد، فبقي يتفكّر، فظننّا أنه يتفكّر هل يكذب أم لا»([9]). وقال الدّارقطني: «شامي، منكر الحديث»([10]).
- خليد بن دعلج السّدوسي، أبو حلبس، ويقال: أبو عبيد، ويقال: أبو عمر، ويقال: أبو عمرو، البصري، قال ابن معين: «ليس بشيء»([11]). وقال أيضاً: «ضعيف»([12]). وقال مرّةً: «ضعيف الحديث»([13]). وقال أحمد: «ضعيف الحديث»([14]). وقال أبو حاتم الرّازي: «صالحٌ، ليس بالمتين في الحديث، حدّث عن قتادة أحاديث بعضها منكرةٌ»([15]). ــ وقال النّسائي: «ليس بثقة»([16]).
وأورده الذهبي في «ميزان الاعتدال»([17])، وذكر هـٰذا الحديث ضمن ما أنكر عليه.
هـٰذا؛ وقد توبع إسحاق بن سعيد بن أركون عن خليد؛ تابعه محمد بن سليمان الحراني، وهي متابعةٌ لا تزيد الحديث إلّا ضعفاً وردّاً؛ إذ فيها وهب بن حفص وهو كذّابٌ.
أخرجها ابن الجوزي في «الموضوعات»([18]) بإسناده من طريق وهب بن حفص، عن محمد بن سليمان، عن خليد بنحوه.
قال ابن الجوزي عقبه: «هـٰذا موضوع علىٰ رسول الله ، وفيه خليد بن دعلج، وقد ضعّفه أحمد والدّارقطني.. وفيه محمد بن سليمان الحرّاني، قال أبو حاتم الرازي: منكر الحديث. وفيه وهب بن حفص قال أبو عروبة: كذّابٌ يضع الحديث، يكذب كذباً فاحشاً. قلت [ابن الجوزي]: وهو المتّهم به».
وأمّا محمد بن سليمان بن أبي داود الحرّاني المعروف ببومة؛ فمختلفٌ فيه:
الموثّقون:
قال النّسائي:«لا بأس به»([19]). وقال أبو عوانة الإسفراييني: «حدثنا أبو داود الحرّاني، قال: حدثنا محمد بن سليمان ثقةٌ»([20]). وأورده ابن حبّان في «الثّقات»، وقال: «يعتبر حديثه من غير روايته عن أبيه»([21])، ووثّقه مسلمة بن قاسم([22]).، وقال الحافظ: «صدوقٌ»([23]).
المجرّحون:
قال أبو حاتم: «منكر الحديث»([24]). وضعّفه الدّارقطني([25]).
والرّاجح فيه ــ والله تعالىٰ أعلم ــ أن «يعتبر حديثه من غير روايته عن أبيه» كما قال ابن حبّان، ومن غير رواية الضّعفاء عنه، كما هو الحال في هـٰذا لحديث؛ إذ الراوي عنه فيه وهب بن حفص البجلي الحرّاني أبو الوليد ابن المحتسب([26])، وهو كذّابٌ، فهو آفة هـٰذا الحديث.
قال ابن عدي: «سمعت أبا عروبة يقول: أبو الوليد بن المحتسب كذّابٌ يضع الحديث. فسألته مرّةً أخرىٰ عنه، فقال: يكذب كذباً فاحشاً، وهو ابن أخي عبدالرّحمن بن عمرو». ثمّ ساق ابن عدي له عدّة أحاديث منكرةً، ثمّ قال: «ولوهب بن حفص غير ما ذكرت، وكل أحاديثه مناكير غير محفوظة»([27]).
وقال ابن حبّان: «كان شيخاً مغفّلاً، يقلب الأخبار ولا يعلم، ويخطئ فيها ولا يفهم. لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد»([28]).
هـٰذا؛ وقد حكم أهل العلم علىٰ الحديث بالرّدّ قديماً وحديثاً، وهم:
- ابن الجوزي، حكم علىٰ طريق وهب بن حفص بقوله: «موضوع»، وقد تقدم.
- الذهبي، حكم علىٰ الطريق الأخرىٰ بقوله: «موضوع، وابن أركون ضعّفوه، وكذا خليدٌ ضعّفه أحمد وغيره»([29]). وقال: «واه، وفي إسناده ضعيفان»([30]).
- العراقي، ضعّفه بحكايته أقوال أهل العلم المضعّفة لخليد([31]).
4. الألباني، حكم علىٰ الطريق الأخرىٰ بقوله: «ضعيف جدّاً»([32]).
([1]) ما بين المعكوفين زيادةٌ بقلم الشيعي ليست في شيء من ألفاظ الحديث.
([2]) «حاشية المستدرك» (3/149).
([3]) «المعجم الكبير» (11479)، «المعجم الأوسط» (743).
([4]) «المستدرك» (3/149)، (4/75).
([6]) «حلية الأولياء» (9/ 65).
([7]) «محجّة القرب إلىٰ محبّة العرب» (105).
([8]) عند الحاكم فقط في (3/149): «خليد بن دعلج أظنّه عن قتادة عن عطاء»، فقوله: «أظنّه عن قتادة»، من أوجه التحريف التي أصابت هـٰذا الحديث في هـٰذا الموضع من «المستدرك».
([9]) «الجرح والتّعديل» (2/221).
([10]) «الضّعفاء والمتروكون» (99).
([11]) «تاريخ ابن معين» للدوري (5150).
([12]) «تاريخ ابن معين» للدّارمي (300).
([13]) «الجرح والتّعديل» (3/384).
([15]) «الجرح والتعديل» (2/221).
([16]) «الضعفاء والمتروكون» (183).
([17]) «ميزان الاعتدال» (1/663).
([19]) «تهذيب الكمال» (25/305).
([22]) «تهذيب التهذيب» (9/200).
([23]) «تقريب التهذيب» (5964).
([24]) «الجرح والتعديل» (7/267).
([25]) «سؤالات البرقاني» (191)، «العلل» (13/255).
([26]) ويقال له أيضاً: «وهب بن يحيىٰ بن حفص».
([28]) كتاب «المجروحين» (1129).
([29]) «تلخيص المستدرك» (3/149).
([30]) «تلخيص المستدرك» (4/75).